نتائج البحث
تم العثور على 30 نتيجة مع بحث فارغ
- العمل على نظام جديد للمواقع (سوبر جي بي إس) لا يحتاج للاقمار الصناعية
لسبب وجود مشاكل مع النظام العالمي الحالي لتحديد المواقع GPS والذي يعتمد أساسا على الأقمار الصناعية ومنها عدم دقته حيث لا تقل عن بضعة أمتار قطرية للمكان المستهدف خاصة في المناطق المكتظة، كما أن الأقمار قد لا تتوفر أحيانا مثلا في الأنفاق أو بين البنايات العالية، إضافة إلى إمكانية تهكير هذا النظام أو النظام الذي أطلقته الصين تحت مسمى: بيدو فقد قام علماء من جامعة ديلفت في هولندا بالعمل على مشروع بديل لهذه الأنظمة يمكنه التمييز بين موقعين لا يفصلهما إلا 10 سنتيمترات. النظام الجديد يعتمد على نفس أبراج الجوال سموه: سوبر جي بي إس SuperGPS يتميز بتطابقه مع بروتوكولات الجيل الرابع والخامس للهواتف الجوالة. كونه يعتمد على نفس خدمات الجوال سوف يوفر المال من جهة ويدعم شركات الجوال من جهة ثانية. تمت تجربة هذا النظام من قبل الباحثين أنفسهم على مساحة 660 مترا مربعا وباستخدام 6 مصادر للإشارة فكانت النتيجة دقة غير مسبوقة تصل إلى 7.4 إلى 10.2 سم فقط. بحسب الباحثين يمكن إيصال الدقة إلى 2.2 سم بعمل بعض التطوير للاستفادة من التغيرات في طور الموجات الرادوية المستخدمة. على هذا الأساس ربما يبحث الناس عن مفاتيحهم أو جوالاتهم الضائعة في بيوتهم عن طريق النظام! المرجع في نيتشر: https://www.nature.com/articles/s41586-022-05315-7
- الترابط الكمي في الإنترنت الكمية Quantum Entanglement
الترابط الكمي في الإنترنت الكمية Quantum Entanglement أ.د. ناصر بن صالح الزايد nalzayed@ksu.edu.sa هناك توجه واضح في الفترة الأخيرة إلى محاولة اختبار إمكانية استخدام مبدأ الترابط الكمي Quantum Entanglement [1] في الإنترنت الكمية خاصة في مسألة التشفير Encryption ، يتضح هذا من التجربة التي قام بها كل من الصين والنمسا في العام 2018 باستخدام القمر الصناعي (الساتل)، وتم تكرارها بصورة أخرى لاحقا في نفس العام من قبل فريق آخر، وأخيرا وفي بداية العام 2021 تم تكرارها بطريقة مختلفة باستخدام الدرونات كما سوف يتم توضيح كل ذلك لاحقا. إننا لن نفهم تلك التجارب إلا بفهم مبدأ الترابط الكمي أولا. وبالمناسبة فقد وجدت بعض المواقع العربية تسميه: التشابك الكمي، وفي رأيي أن هذه الترجمة غير موفقة، لأن التشابك بالعربية له دلالات مختلفة. وسوف يتضح ذلك في ثنايا هذا الموضوع. كعادتي سوف أعتبر ان معظم القراء لديهم فقط القدرة المنطقية والخلفية المبدئية لفهم الموضوع. تصور أنك طلبت من المطعم وجبتين واحدة دجاج والأخرى لحم. فوضعهما في كرتونين متشابهين تماما. عندما وصلت البيت، لم تعلم أيهما الدجاج وأيهما اللحم؟ ولكن عندما فتحت أحدهما فوجدته دجاجا، تأكد لك أن الكرتون المتبقي هو لحم. تخيل أن الكرتون الثاني لم تأخذه معك إلى المنزل بل أعطيته، أو سلمه نفس المطعم، بشكل عفوي إلى شخص آخر في منزل آخر، فأنت الآن واثق بنسبة 100% أن ذلك الشخص الآخر قد حصل على وجبة لحم. هذا ببساطة هو الترابط بين هذين الزوجين. عندما نطبق هذه الصورة على الجسيمات الكمية (إلكترونات أو فوتونات مثلا) فيصبح لدينا: مبدأ الترابط الكمي. للتوضيح أكثر: تصور أن لدينا جهازا يمكنه إطلاق إلكترونين في الوقت نفسه، كل الكرتون في اتجاه مختلف، بحيث يكون لدى الإلكترون الأول لف مغزلي إلى أعلى ↑ والثاني إلى أسفل ↓ . عندما يصل الإلكترون الأول إلى هدفه الذي يقوم بقياس لفه فيجده إلى أعلى فيكون واثقا عند ذلك أن الإلكترون الآخر مهما ذهب بعيدا سيكون لفه إلى أسفل، أي وصلته معلومة مؤكد فوريا بغض النظر عن المسافة بينهما. يعبر العلماء عن هذا الوضع بأن الإلكترونين لديهما دالة موجية واحدة مهما تباعدا عن بعضهما مكانيا. إذن نحن نبحث عن سمة كمية معينة يحافظ عليها الجسيم، ويمكن أن تكون لها حالتان، أعلى أو أسفل، رأسي أو أفقي، وهكذا. بالنسبة للفوتونات، هي عبارة عن موجات، والموجة لها سمة الاستقطاب، والاستقطاب يمكن أن يكون رأسيا، أو أفقيا، أو غير ذلك. إذن في تجربة الإلكترونات السابقة، يمكننا استبدال الإلكترونين بفوتونين لهما استقطابية مختلفة رأسية أو أفقية. وهذه هي فكرة الترابط الكمي المستخدمة في الحوسبة الكمية بالضبط في ناحية التشفير كما سوف نحاول توضيحه من خلال حديثنا عن التجارب العلمية التي تمت في هذا الخصوص. أيضا يلزمنا أن نعرف قبل الدخول في الموضوع ما يسمى بلغة الحواسيب: البت Bit[2] وهي طريقة تخزين وتمثيل البيانات. باختصار يستخدم الصفر ورقم 1 لهذا الغرض. مثلا: 1001 هي عبارة عن العدد 9. بلغة الحواسيب التقليدية 1 تعني قيمة الفولتية 5، و 0 تعني فولتية 0. في الحوسبة الكمية لا تختلف الصورة إلا باستبدال الفولتية بصفة أخرى، غالبا هي صفة الإلكترون وخاصة في لفه المغزلي: مثلا لف إلى أعلى يقابل 1 وإلى أسفل يقابل 0. البت عندما تكون على أسس كمية تسمى كيوبت qubit. ضع في بالك فيما يلي أن بت أو كيوبت تعني (معلومة). وأخيرا يلزمنا أن نعلم ما المقصود بالتشفير [3]؟ إذا أرسلت شخصا معه حقيبة تفتح بالأرقام، إلى شخص آخر، فإنه لن يتمكن من فتحها إلا بمعرفة الرقم. هذا هو التشفير بالضبط. هل الرقم يسهل تخمينه؟ إذن التشفير ليس بالقوة المطلوبة؟ معرفة الرقم تعني أن الشخص الآخر لديه مفتاح التشفير، محاولة فتح الشنطة بالتخمين يسمى (التهكير). هناك أنواع مختلفة من التشفير، يتميز بعضها بالقوة أكثر من الآخر. عندما تقوم بتركيب وثيقة SSL على موقعك فأنت تشفر بيانات الموقع قبل انتقالها للمتصفح بحيث لا يعرفها إلا من لديه المفتاح (عن طريق المتصفح). خطوات عمل مفتاح التشفير الكمي (مختلف جوهريا عن التشفير بالترابط الكمي): أولا: يتم تركيب فلتر لدى المصدر بحيث يمكنه إطلاق الفوتونات عند استقطابات مختلفة بشكل عشوائي، ولكن مرصود. ثانيا: يتم ترميز الفوتونات بحيث أن الفوتون المستقطب رأسيا يقابل 1، وافقيا يقابل 0، عند 45 درجة يمين أيضا 1، و 45 درجة يسار أيضا 0 وهكذا. ثالثا: يتم إرسال عدد من تلك الفوتونات عن طريق الألياف البصرية أو الجو كما سنرى. رابعا: يقوم المستقبل بتلقي تلك الفوتونات ويقيس حالة الاستقطاب لديها، ويسجلها بالتتابع كأرقام 0 أو 1. خامسا: يتشكل لدى المستقبل معلومة متكاملة عن جميع الفوتونات المرسلة، أي تسلسل البتات الناتجة عن قراءة استقطابها. سادسا: يقوم بإرسال النتيجة فوريا إلى المرسل الذي يفحص تلك المعلومة، فإن تطابقت مع ما لديه، أرسل إلى المستقبل بالمصادقة على فتح الملف. هذه هي طريقة التشفير الكمي، ليس لها من اسمها نصيب سوى أن الفوتونات هي جسيمات كمية، تحترم الحالة الموجية للجسيمات الكمية. في البحث الذي نحن بصدده، ندرس التشفير بالترابط الكمي وهو أرقى كثيرا مما سبق وأكثر عمقا من الناحية الكمية، فكيف يتم؟ أولا: يتم تركيب نظام مستقل يمكنه إرسال فوتونات بصورة أزواج مرتبطة كميا كما تم شرحه، بحيث يتجه أحدها إلى مصدر المعلومة والثاني إلى مستقبل المعلومة. يجوز أن يكون هذا النظام لدى نفس المرسل، ويمكن أن يكون على سطح الأرض أو مركبا على درون أو على قمر صناعي. ثانيا: يتم تركيب فلتر لدى كل من المصدر والمستقبل بحيث يمكن قراءة الاستقطابات لتلك الفوتونات وتحويلها إلى أرقام 0 و 1 (بتات) ثالثا: مبدأ الترابط الكمي يحتم أن الأرقام التي سوف تتجمع لدى المستقبل هي قطعا عكس الأرقام التي سوف تتجمع لدى المرسل، ولا داع لإرسال رسالة للتأكد كما في (سادسا) أعلاه لأن المرسل قد وصلته المعلومة من النظام المستقل في نفس الوقت. رابعا: طالما تحقق الشرط في ثالثا، فإن المستقبل سيتمكن فوريا من فتح الملف والحصول على الحق في فتح الوثيقة أو قراءة البيانات. إن موثوقية معلوماتنا الكمية حول الترابط الكمي، وكون الفوتونات تحافظ على علاقة الترابط مهما بعدت المسافات، جعلنا نثق بهذه الطريقة للتشفير، وهي من الناحية العلمية أرقى طريقة عرفها الإنسان حتى الآن وأقواها على الأطلاق، وهي إحدى مميزات ميكانيكا الكم العملاقة التي تنفرد بها عن ما عداها. تخيل أن المسافة بين المستقبل والمرسل هي مليار سنة ضوئية، في حالة التشفير الكمي، سوف يلزم ثلاث مليارات سنة لوصول المعلومة: مليار لإرسال المفتاح ومليار لإعادته للمرسل، ومليار لإرسال المصادقة. يا بلاش؟ أما في حالة التشفير بالترابط الكمي، فإن المرسل يثق بالمستقبل فوريا ولا داعي للتراسل للبحث عن المصادقة، وهذا هو السبب أن أينشتاين لم تعجبه الفكرة لأنها تتصادم مع نظريته للنسبية العامة التي تحتم وجود مليار سنة لتحرك المعلومة بسرعة الضوء كحد أقصى. ما لفرق الجوهري بين طريقة التشفير الكمي أو باستخدام الترابط الكمي من جهة وطريقة التشفير المستخدمة حاليا من جهة ثانية؟ هناك فرق مهم جدا وهو أن الهاكر لو اعترض البيانات المشفرة تقليديا، وتمكن من اعتراض عمليات بروتوكولات المصادقة، أي حصل على المفتاح، فإنه سوف يتمكن من قراءة البيانات دون علم لا من قبل المرسل ولا من قبل المستقبل. أما في حالة التشفير الكمي بنوعيه والذي يعتمد على أرسال عدد معلوم من الفوتونات التي يتوجب وصولها بالكامل إلى الطرف الآخر، فلو تم اعتراض تلك الفوتونات من الهاكر فسوف يعرف مصدرها مباشرة أنها فقدت لأنها سوف تستلم من قبل الهاكر ويحرم المستقبل منها. هذه النقطة هي من أهم جوانب قوة التشفير الكمي بنوعيه. تجربة اختبار إمكانية تطبيق مبدأ الترابط الكمي عن طريق الدرون: في منتصف شهر يناير هذه السنة (2021) [4]، تم نشر بحث حول استخدام الدرونات في تجربة الترابط وذلك من قبل فريق من جامعة نانجنج الصينية. إن السبب في ذلك يعود أساسا إلى أن استخدام الألياف البصرية في نقل الفوتونات المرتبطة كميا يؤدي أحيانا إلى ضياع جزء منها عن طريق التشتت، وكلما كانت تلك الألياف أطول كان عدد الفوتونات المفقودة أكبر. ولكن ما زالت البحوث نشطة في استخدام التشفير في بيانات الألياف على أية حال. لجأ الباحثون إلى استخدام طريقة مبتكرة للتخلص من فقد الفوتونات في الألياف البصرية، حيث أرسلوا فوتوناتهم عن طريق الجو. ولتحقيق هذا الهدف، واضعين في حسباننا أن الغرض هو إيصال فوتونين إلى مكانين مختلفين تفصلهما مسافة كبيرة، بحيث يكون هذان الفوتونان (أو قل هذا الزوج الفوتوني) مرتبط كميا، لتحقيق الهدف استخدموا درونين تفصلهما مسافة 200 م، كل درون مرتبط بمحطة أرضية، ولنقل محطة أ ومحطة ب تبعد عنه بمسافة 400 م بحيث تصبح المسافة الفعلية بين المحطات هي 1000 م (1 كم). إن استخدام زوج من الدرونات هو فقط لزيادة المسافة بين المحطات الأرضية وإلا فيكفي درون واحد، حيث استفيد من الدرون الثاني كمقوي (إن صح التعبير) للدرون الأول. وحتى نفهم ذلك جيدا، هناك مشكلة تتعلق بالفوتون المرسل حيث إنه – كما هو معروف – يتحرك بصورة موجية، وبالتالي فتؤدي ظاهرة الحيود إلى اتساع الموجة مع المسافة. من شروط هذه التجربة أن لا تتسع الموجة بأكثر من 26 مم، وهي تمثل قطر الفتحة المستقبلة للموجة في المحطة الأرضية. بالنسبة للدرون الأول (على اليسار) والمحطة الأولى (أ) على اليسار تسمح المسافة بالمحافظة على هذا الشرط. لكن لو أرسل نفس الدرون فوتونه الآخر للمحطة (ب) مباشرة، فإن الشرط لن يتحقق بسبب طول المسافة، فتم اللجوء للدرون الثاني لاستقبال هذا الفتون أولا، حيث يعيد موجته لنفس سعة الانطلاق، ومن ثم يعيد إرساله لتلك المحطة. لعلنا أدركنا مباشرة أن إنشاء شبكة إنترنت كمية قد تعتمد على عدد كبير من الدرونات موزعة على مسافات معينة، وهذا أمر تحت الدراسة حاليا من قبل نفس الفريق. يقوم الدرون الأول بإرسال زوج من الفوتونات مرتبطين كميا عن طريق خاصية الاستقطاب، هما عبارة عن فوتونين لأشعة تحت الحمراء. يرسل الأول باتجاه المحطة (أ) في حين يرسل الآخر إلى المحطة (ب) مرورا بالدرون الثاني. لدى كل محطة جهاز قادر على استقبال فوتون واحد فقط وتمييزه [*]. نجحت المحطة اليسرى (أ) في استقبال 25% من الفوتونات المرسلة إليها، في حين أن المحطة الثانية (ب) تمكنت من استقبال 4% فقط من نصيبها من الفوتونات بنجاح. ولكن هذا على مستوى التجربة يعد نجاحا لا يستهان به. والمهم فعليا هو أن الفوتونات المستلمة، بغض النظر عن عددها، قد تم فحصها فوجد أنها حافظت على الترابط الكمي بالرغم من طول المسافة. هل تعرفون ماذا يعني ذلك؟ لطالما تمكن هذا النظام المكون من الدرونات + المحطات الأرضية، من إرسال زوج فوتوني مرتبط كميا، فإنه قد نجح في إرسال مفتاح تشفير لا يمكن لأي أحد كسره، ويمكن إضافته إلى أي نوع من البيانات مثلا صور، أو نصوص، أو حتى مقاطع فيديو، فضلا عن البيانات البنكية أو الأمنية فائقة الحساسية. وهذا هو ما تم عمله في تجربة الصين والنمسا التالية، حيث تم إرسال صور وفيديو مشفرة من المحطة الأولى إلى المحطة الثانية والعكس، وتمكنت المحطتان من فك التشفير عن الصور والفيديو باستخدام المفتاح الكمي. تجربة الصين التالية سابقة لتجربة الدرونات ولكنها مكلفة ماديا حيث استخدم فيها القمر الصناعي، غير أنها أيضا منحت مسافات أكبر كما سوف نرى. تجربة الصين والنمسا: في يناير من عام 2018 قامت الدولتان باستخدام قمر صناعي لفحص مبدأ الترابط الكمي حيث تم استخدام التشفير الكمي مع صورتين و بث لفيديو [5]. وقد سبق قبل ذلك، في عام 2016 أن أطلقت الصين أول قمر صناعي لديه إمكانية التعامل مع البيانات (البتات) الكمية وهو نفسه الذي استخدم في هذه التجربة [6]. المحطة الأرضية الأولى هي محطة جنجلونج وكانت في الصين بقيادة البرفسور جيان-وي بان من جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية في بكين. المحطة الثانية كانت محطة قراز بالقرب من مدينة فيينا بالنمسا وبقيادة البرفسور أنتون زيلنقر وزملائه في جامعة فيينا. أما القمر الصناعي المستخدم فهو قمر ميتشيوس الصيني. هذا القمر هو جزء من منظومة متكاملة تزمع الصين رفعها للفضاء تحت مشروع: التجارب الكمية على مستوى الفضاء [7] Quantum Experiments at Space Scale. مجموع المسافة بين المحطتين هي 7600 كم (الساتل في مدار قريب من الأرض). يستطيع الساتل المذكور إرسال مفاتيح ترابط كمي إلى أي من المحطتين بشكل نبضات ليزرية كما يستقبل برتوكولات المصادقة بين الطرفين. تم بنجاح إرسال صورة ميتشيوس (فيلسوف صيني سمي القمر باسمه) من محطة الصين إلى محطة النمسا، وأرسلت صورة شرودنجر من محطة النمسا إلى محطة الصين، وكانتا مشفرتين، وتم استخدام مفاتيح الترابط الكمي التي يرسلها الساتل بين المحطتين لفتح الصورتين بنجاح. بل ذهب الباحثون إلى أبعد من ذلك حيث تم عقد اجتماع فيديو بين كل من أكاديمية العلوم الصينية في بكين وأكاديمية العلوم في فيينا بطريقة مشفرة عن طريق الساتل نفسه، وكانت مدتها 75 دقيقة وحجم بياناتها تجاوز 2 جيجابايت. هناك تجارب أخرى تالية لهذا العمل حصلت باستخدام الألياف البصرية مثل ذلك العمل الذي قام به العالم البرتو بورون مع زملائه في جامعة جنيف وتم على مسافة 421 كم، لم يضف جوهريا لما سبق ذكره أية معلومات [8]. إذن يمكننا القول إن التشفير باستخدام الترابط الكمي نجح في الاستخدام على مدى مسافات بعدة آلاف من الكيلومترات، باستخدام النبضات الليزرية كحامل لمفاتيح التشفير بين المحطتين. من وجهة نظر فيزيائية بحتة، وهي السبب في كتابة هذا الموضوع، تعتبر هذه التجربة ضمن التجارب التي أكدت صدقية مبدأ الترابط الكمي، وأنه صحيح بغض النظر عن المسافات. قائمة بالمراجع: [*] تخيل كل ما سبق ذكره ما كان ليحصل لولا هذا الجهاز، ونحن نضيفه هنا وكأنه أمر عادي. إن صناعة جهاز يستطيع استقبال فوتون واحد فقط و تمييزه هو قفزة علمية وتقنية هائلة، ويضاف له حاليا الكاميرات سريعة التصوير التي يمكنها مراقبة حركة فوتون واحد ورصده بدقة متناهية. إنها اكتشافات يقود بعضها إلى بعض، وهو أمر يبشر باكتشافات وتطبيقات مستقبلية قد لا تخطر على البال. [1] https://en.wikipedia.org/wiki/Quantum_entanglement [2] https://en.wikipedia.org/wiki/Bit [3] https://www.goanywhere.com/blog/how-encryption-works-everything-you-need-to-know [4] https://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.126.020503 [5] https://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.98.010505 [6] https://directory.eoportal.org/web/eoportal/satellite-missions/q/quess [7] https://en.wikipedia.org/wiki/Quantum_Experiments_at_Space_Scale [8] https://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.121.190502
- البصمة الوراثية وإعادة الخلق
بسم الله الرحمن الرحيم البصمة الوراثية وإعادة الخلق أ.د. ناصر بن صالح الزايد nalzayed@ksu.edu.sa ملخص البحث: البصمة الوراثية هي التي تحفظ السجل التاريخي للكائنات، وعندما تنشأ الكائنات فإنها تستعيد ماضيها بناء على تلك البصمة. فالسمك عندما ينشأ في مياه السيول الراكدة يستعيد كل سمات السمك الأصلي الذي قد يكون مات منذ ملايين السنين. وفي يوم البعث يمر الإنسان بطورين الأول نزول ماء من السماء ينبت بسببه الجانب الجسماني للإنسان من بقايا جسمه السابق، ثم يمر الطور الثاني بالنفخ في الصور حيث تتطاير الأرواح وتلتقي مع أجسادها بناء على بصمتي الجسم والروح، فيعود الناس أحياء ويقوموا لرب العالمين. وبهذا تكرر المشهد الأولي للحياة حيث خلق آدم أولا كجسد، ثم نفخ الله فيه من روحه فصار بشرا سويا. بهذه البساطة يتم إعادة الخلق ولذلك يقول الله عز وجل (وهو أهون عليه) أي إعادة الخلق أهون على الله من إنشائه من العدم. مقدمة البحث: الحمد لله رب العالمين، الذي خلق فأحكم، وقدر فهدى، وله الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على رسوله الأمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجعلنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك. وأما بعد فهذا مبحث تلجلج في نفسي لفترة طويلة، وأحببت أن أكتبه أخيرا وأنشره لما تيقن لدي بأنه مفيد في تقوية الإيمان بالبعث والنشور، وبالتالي إيقاظ الخوف من الله، و حث الهمم على الاستعداد لذلك اليوم الرهيب، حيث البعث والخروج من القبور والقيام لرب العالمين في يوم طويل طويل، شديد الهول، لا يملك فيه الإنسان أي قوة، ولا يوجد أية فرصة للهرب من مقابلة نتائج عمله في الدنيا (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء! لمن الملك اليوم! لله الواحد القهار). وأنا أعلم أن بعض إخواني من أهل العلوم الشرعية قد لا يعجبهم المبحث، لسبب أو لآخر، غير أني في الحقيقة لم آت بجديد من حيث الأسلوب. فهاهم المفسرون قديما وحديثا، يفسرون القرآن والسنة بحسب اللغة، والعلم، والخبرة، والفهم، لذلك فقد توكلت على الله وكتبته، مع تقبلي لكل ناقد بعلم ودليل. البصمات تعيد دورة الحياة وتنقل تاريخ الكائنات عبر العصور: نبدأ من قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه). خلق الله الإنسان وميزه بالبصمات، بصمة الاصابع، بصمة العين، بصمة الصوت، وأهمها على الإطلاق البصمة الوراثية. سبحانه مبدع في كل ما خلق. وفي الآية المذكورة تلميح إلى الخلق الثاني وارتباطه بالبصمة. يستغرب الإنسان كيف يعيد الله الخلق مرة أخرى؟ والله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى أن هذه الإعادة تتكرر دائما أمامنا ولكننا لا ننتبه. لنتأمل في الآيات التالية: 1. وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأعراف 57) 2. وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ (فاطر أية 9). 3. وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ (الزخرف آية 11) 4. وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ (11) (ق الآيات 9-11) 5. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ (الروم 19) 6. وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُۥ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (6) (الحج آيات 5 و 6). هذه الآيات مجمعة على تشبيه نزول المطر وإحياء الأرض بإحياء الناس يوم القيامه وخروجهم من قبورهم (كذلك تخرجون، كذلك النشور،...) أي مثل ما تشاهدونه بعد نزول المطر يكون إخراجكم من قبوركم يوم القيامة. الآيات لخصت دورة الخلق والإماتة ثم الإحياء: هناك بقايا من كائنات حية نباتية كانت أم حيوانية، وتلك البقايا قد تكون بذورا، وقد تكون بصورة بيوض، وقد تكون متحورة بصور أخرى كالقواقع بسبب طول الزمان. وعندما ينزل المطر لفترة زمنية كافية، في وقت مناسب، فإن تلك البقايا تعود للحياة. ولنتأمل في الأمر أكثر وأكثر، ولنأخذ مثالا صارخا يشاهده الناس بأعينهم، عندما ينزل المطر لفترة كافية ويتجمع في مكان منخفض ويظل كذلك لفترة كافية، تظهر الأسماك في تلك التجمعات. إن هذه الأسماك جاءت من بقايا جافة وربما متحورة ومرت عليها قرون متطاولة، ومر عليها الحر والقر، والجفاف، وانطمر بعضها تحت التراب، وتعرضت للكثير من العوامل القاسية، غير أنها بمجرد أن جاءت الظروف الملائمة عادت إلى الحياة. وتلك العودة عجيبة بكل ما تعنيه الكلمة، فقد عادت وعادت معها كمية من العلم السابق المرتبط بسلاسلها الوراثية المخزنة بتلك البقايا المشار إليها. فبمجرد أن تعود للحياة، تعرف مباشرة عدوها من صديقها، وتعرف كيف تسبح وتعوم، وتعرف ماذا تأكل وماذا لا تأكل، وتعرف كيف تتزاوج، وتعرف كيف تصدر صوتا، وتفهم صوت الطرف الآخر من نوعها، وتتفاعل معه بطريقة إيجابية. إن كل ماذكرنا هو (علم) و (معلومات) فكيف يا ترى عادت إليها الحياة بعد أن كانت أثرا بعد عين، وكيف عاد مع الحياة كل ما كانت تعرفه سابقا فصارت نسخة طبق الاصل من سابقتها. وكيف وصلت تلك المعلومات الجسدية والعقلية عن طريق السلاسل الوراثية بالرغم من مرور دهور طويلة قد تكون مليارات من السنين؟ إنها البصمة الوراثية إذن، هي التي تحتفظ بسجلك كاملا. وإن كانت الحيوانات كالأسماك هي نسخ متكررة من بعضها، فإن الإنسان له بصمة خاصة به، أي أنه لا يتكرر، بل يعود نفسه على أساس بصمته الوراثية المتبقية بعد موته. وهذا سر إشارة الآية الكريمة (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) أي أننا نستخدم بصمته البنانية لعودته للحياة، ولو سوينا بنانه، فإن لدينا حلولا أخرى تحمل نفس البصمة اللازمة لعودة الحياة. وحيث إننا قلنا بأن تلك البصمة عندما أعادت السمكة إلى الحياة أعادت معها كمية لا بأس بها من العلم والمعرفة المشفرة في تلك البصمة، فإن بصمة الإنسان سوف تعيد معها علمه السابق، ولذلك نرى في القرآن إشارات إلى أن أهل الآخره سواء منهم المؤمنون في الجنة أم الطالحون في النار، يتذكرون أيامهم في الدنيا. فيقول الله عن المؤمنين (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) سورة الطور) فهم يتذكرون أيامهم في الدنيا وكيف كانوا. وقال تعالى (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) سورة الصافات). دعوني أفصل أكثر عن طورين مهمين في عودة الناس من قبورهم لرب العالمين والمذكورة في عدة آيات منها: 1. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) (سورة يس) 2. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ (الزمر 68) 3. وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (الكهف 99) 4. يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (طه 102) 5. وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (النمل 87) 6. خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (القمر 7) 7. يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (النبأ 18) 8. وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ (25) (من سورة الروم) 9. يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (المعارج 43) 10. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (الصافات 19) 11. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14)(النازعات) 12. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ (21) سورة ق 13. فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)، سورة المزمل 14. إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (يس 53) 15. وَمَا يَنظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ (ص 15) 16. يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (ق 42) بعض معاني الكلمات_ الأجداث: القبور، الصور: بالضم ، آلة ينفخ فيها الملك إسرافيل يوم القيامة النفخة الأولى، وهي نفخة الفزع ، وفيها يختل النظام الكوني، والنفخة الثانية، وهي نفخة الصعق وفيها يموت جميع الخلائق إلا ما شاء الله، والنفخة الثالثة، وهي نفخة البعث والنشور (من المعجم). لي وقفة في مكان آخر على النفخات الثلاث، وترتيبها، ولكن نقلتها من المعجم كما هي. الصيحة = الزجرة = النفخ في الصور= النقر في الناقور (كلها ألفاظ تعبر عن نفخة البعث، وهي نفخ الملك في الصور وهو شيء يشبه البوق). عبر عن البعث بألفاظ: قيام ينظرون، ينسلون، يخرجون، إذا هم بالساهرة (ظاهر الأرض). الأحاديث التالية تتفق مع الآيات قلبا وقالبا، وتزيد بعض التوضيح، ولذا فقد لا يهم أن نبحث في قوة الأحاديث طالما أنها لا تكون إلا من مصادر نبوية، فمن الذي يمكنه أن يتصور البعث في الآخرة بهذه التفاصيل المتفقة مع القرآن إلا من طريق الوحي؟ ومن هذا ما روي عن عبد الله بن مسعود، وهو مما لا يؤخذ به إلا بالتوقيف، قال: يرسل الله جلّ وعزّ ماء مثل منيّ الرجال وليس شيء خلق من الأرض إلّا وقد بقي منه شيء فتنبت بذلك الجسمان واللحوم تنبت من الثرى والمطر ثم تلا عبد الله وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ. وورد في الخبر أيضا أنه إذا كان قبل النفخة الأخيرة أمطرت السماء أربعين يوماً مثل مَني الرجال فتشرب الأرض، فتنبت الأجساد بذلك الماء، ثم ينفخ في الصور، فإذا هم قيام ينظرون. وقال ابن عباس وابو هريرة إذا مات الناس كلهم فى النفخة الاولى مطرت السماء أربعين يوما قبل النفخة الاخيرة مثل منى الرجال فينبتون من قبورهم بذلك المطر كما ينبتون فى بطون أمهاتهم وكما ينبت الزرع من الماء حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيها الروح وقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَضِّلُوا بيْنَ أَنْبِياءِ اللَّهِ، فإنَّه يُنْفَخُ في الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَن في السَّمَواتِ ومَن في الأرْضِ، إلّا مَن شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أُخْرى، فأكُونُ أَوَّلَ مَن بُعِثَ، فَإِذا مُوسى آخِذٌ بالعَرْشِ، فلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بصَعْقَتِهِ يَومَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، ولا أَقُولُ: إنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِن يُونُسَ بنِ مَتّى. صحيح البخاري برقم ٣٤١٤ ومسلم برقم ٢٣٧٣ ويؤيده حديث أبي هريرة الذي أخرجه الشيخان «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قال: ( ما بيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قالَ: أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيَنْبُتُونَ كما يَنْبُتُ البَقْلُ، ليسَ مِنَ الإنْسانِ شيءٌ إلّا يَبْلى، إلّا عَظْمًا واحِدًا وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيامَةِ. صحيح البخاري برقم ٤٩٣٥ و ومسلم برقم ٢٩٥٥ وعند مسلم برقم 5366 في حديث النعمان بن سالم الطويل وفيه (ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ - أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ - مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ - نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ ) بحسب الآيات المذكورة والأحاديث التي فصلت أكثر، فالبعث بكل بساطة يتم على طورين في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: ينزل من السماء ماء من نوع أو آخر (الأحاديث ذكرت أنه يشبه ماء الرجال، وليس من المهم تحديده لأن العبرة بالنتيجة). ويستمر هذا الماء بالنزول على الأرض لمدة معينة ، لا نعرف كم طولها. لعل الآية رقم 25 من سورة الروم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ) بعد ذكر مسألة المطر والإحياء، تشير إلى أن شيئا كذلك سيتم يوم القيامة، حيث تقوم السماء والأرض بأمره في الإمطار (من قبل السماء) وتوفير البيئة المناسبة (من قبل الأرض) للبعث حيث ذكر بعدها الخروج، وقبلها المطر والإحياء. المرحلة الثانية: يبدأ الناس بالنبات من قبورهم تماما كما تنبت الأشجار وترتفع عن سطح الأرض، ينبتون ويبقون في أماكنهم ما شاء الله لهم أن يبقوا. وهذا النبات إما أن تكون بذرته الأساسية هي عجب الذنب (كما أشار حديث البخاري ومسلم) ، أو أي شيء يبقى من الجسد كما في حديث ابن مسعود. والاستنساخ حديثا يؤيد إمكانية نشوء إنسان (كجسد) من أية بقايا من جسده حتى شعره. وهاتان المرحلتان تمثلان الطور الجسماني. المرحلة الثالثة: يأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخ في الصور النفخة الثانية (أو الثالثة) فتنتشر أرواح بني آدم حتى تتصل كل روح بجسدها وتعود الحياة للناس ولكنها حياة مختلفة فيوم القيامة تكون للناس خصائص تختلف عن خصائصهم في الدنيا (وهذا هو الطور الروحاني الذي يكتمل به الإنسان حيا عاقلا). في الطور الأول، تكون البصمة الوراثية الجسمانية هي المسؤولة عن إعادة الإنسان إلى نفس جسمه السابق، وتحمل معها عودة ذاكرته ومعلوماته، وتحديد هويته بشكل قاطع. وفي الطور الثاني، ينفخ إسرافيل بالصور فتنتشر الأرواح التي لها هي أيضا بصماتها التي لا نعلم عنها شيئا، غير أن تطابق البصمتين الجسمانية والروحانية يعيد نفس الروح لنفس الجسد، ويعود الإنسان حيا من جديد: 1. قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (يونس 34) 2. أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (النمل 64) 3. أولَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (العنكبوت 19) 4. اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (الروم 11) 5. وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الروم 27) 6. يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) الأنبياء. تأكيد الآيات مرة بعد مرة على بداية الخلق وإعادته (يشمل أيضا بداية وعودة الكون بأجمعه وهذا له مكان آخر)، وعلى الربط بين ظاهرة نزول المطر وعودة الحياة للأرض في الدنيا، وتشبيه الحالة الدنوية بالحالة الأخروية وأن الخروج والنشور يشبه تماما عملية نزول المطر وانتشار الحشرات والكائنات وحتى النباتات التي تنبت بسببه عند توفر الأسباب الأرضية (لاحظ المطر ينزل في وقت مناسب، والأرض عندما تكون مناسبة يحصل الإنتاج وهو الربيع والأعشاب والأشجار. ولعل هذا يعيد للذاكرة أن قيام السماء والأرض بأمره في يوم القيامه هو – والله أعلم- نزول الماء في وقت مناسب وتقبل الأرض له فينبت الناس من ذلك، والله أعلم). كل ما في الأمر أن الآخرة عالم يختلف عن الدنيا اختلافا ليس هذا مكان شرحه، ولكن الصور متطابقة، ففي الآخرة فاكهة كما في الدنيا، وفيها أنهار، وماء وعسل، ولبن، وغير ذلك، لكنها لا تحمل من نظيراتها في الدنيا إلا الأسماء. إن البعث يوم القيامة بطوريه المذكورين، كان قد حصل لآدم عليه السلام فهو الذي خلقه الله بيده كجسد ومرت عليه فترة طويله (لم يكن شيئا مذكورا) ثم نفخ الله فيه الروح فصار بشرا سويا عاقلا يتنفس ويأكل ويشرب ويعقل ويتحدث. ولو خرجت روح إنسان فلا قيمة لجسده، فالإنسان مكون من شقين: جثماني وروحاني، والتقاء الشقين في يوم القيامة مبني – والله أعلم – على بصمتين جسمانية وروحانية و تطابقهما هو الذي يقود الروح للجسد في ذلك اليوم. جاء في مسند الإمام أحمد مرفوعًا: حَتَّى إِذَا كَانُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا. وصححه الألباني (ت1420) صحيح الجامع، وهو صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ ابنِ آدمَ تأكلُه الأرضُ إلا عَجَبُ الذَّنَبِ، منه يَنْبُتُ ويُرسِلُ اللهُ ماءَ الحياةِ فيَنبُتونَ فيه نباتَ الخَضِرِ، حتى إذا أُخرِجتِ الأجسادُ أرسلَ اللهُ الأرواحَ وكان كلُّ رُوحٍ أَسْرَعَ إلى صاحبِه من الطَّرْفِ ثم يُنفَخُ في الصورِ فإذا هم قيامٌ ينظرون. الألباني (ت ١٤٢٠)، تخريج كتاب السنة ٨٩١ • إسناده جيد • أخرجه البخاري (٤٩٣٥)، ومسلم (٢٩٥٥) باختلاف يسير،، وأبو داود (٤٧٤٣)، والنسائي (٢٠٧٧)، وابن ماجه (٤٢٦٦)، وأحمد (٨٢٨٣) مختصراً، وابن أبي عاصم في «السنة» (٨٩١) واللفظ له. وفي حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه قال: ثمَّ يأمرُ اللهُ إسرافيلَ أن ينفُخَ نَفخةَ البعْثِ فينفُخَ نَفخةَ البعثِ فتخرُجُ الأرواحُ كأنَّها النَّحلُ قد ملأت ما بين السَّماءِ والأرضِ فيقولُ وعزَّتي وجلالي ليرجِعنَّ كلُّ روحٍ إلى جسدِه فتَدخُلُ الأرواحُ في الخَياشِيمِ، ثمَّ تَمشي في الأجسادِ مَشْيَ السُّمِّ في اللَّدِيغِ، ثمَّ تَنشَقُّ الأرضُ عنهم سِراعًا. البيهقي (ت ٤٥٨)، شعب الإيمان ١/٢٦٠ قال ابن القيم في كتابه الروح: تنْبت أَجْسَادهم فِي الْقُبُور، فَإِذا نفخ فِي الصُّور رجعت كل روح إِلَى جَسدهَا فَدخلت فِيهِ لا غرابة إذن من تكرار ربط البعث والنشور والخروج من القبور في القرآن الكريم، بنزول المطر وخروج النبات والحشرات وحتى كائنات أخرى، فالصورة متطابقة بشكل مذهل، والله – سبحانه وتعالى – يوجه الخطاب للناس بأن من قدر أن يعيد النبات بعد نزول المطر إلى نفس وضعه السابق بناء على الأحماض الوراثية، قادر على أن يعيدكم أيها الناس يوم القيامة مع اختلاف نوع الماء والطبيعة الأرضية، ولكن الطريقة واحدة في الحالتين. لو أخذنا التطابق المقصود في القرآن (كذلك الخروج، كذلك النشور، كذلك تخرجون) لوجدناه من عدة أوجه: الأول: في الدنيا ينزل ماء، وفي الآخرة ينزل ماء. الثاني: في الدنيا نزول الماء مشروط بوقت مناسب (الوسم مثلا)، وفي الآخره تقوم السماء بأمر الله في وقت مناسب. الثالث: في الدنيا النبات (والأحياء الأخرى) تكون مطمورة تحت الأرض فتنشق عنها الأرض وتخرج وكذلك البعث في الآخرة حيث تنشق الأرض ويخرج الناس من القبور (الأجداث). الرابع: الأرض لا تستجيب للمطر إلا عندما يكون الوقت مناسبا، وكذلك الأرض في الآخرة (تقوم الأرض بأمره) أي تستجيب للماء الأخروي. الخامس: في الدنيا البصمات أو الأحماض النووية تعيد النبات والأحياء إلى نفس طبيعتها الأصلية وعبرها تنتقل كمية كبيرة من الشفرات: اللون، الطول، الزهور، الثمار، الطعم، وفي الأحياء يضاف الصوت، والمعلومات الأخرى، وكذلك في الآخره تلك البصمات والأحماض كفيلة بإعادة الإنسان كما كان مرة ثانية، والفرق أن بصمة الإنسان خاصة به فهي هوية له لأنه محاسب، أما بصمات النبات والحيوان فهي متكررة، لأنها لن تحاسب يوم القيامة. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أسرف رجلٌ على نفسه، فلما حضره الموتُ أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت، فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذرُوني في الريح في البحر، فوالله لئن قدَر عليَّ ربي ليعذبني عذابًا ما عذَّبه به أحدًا، قال: ففعلوا ذلك به، فقال للأرض: أدِّي ما أخذتِ، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملكَ على ما صنعتَ؟ فقال: خشيتُك يا رب - أو قال: مخافتك - فغفر له بذلك))؛ رواه الشيخان واللفظ لمسلم. لا مجال إذن للتهرب أو أخفاء بقايا الجسد حتى ينجو المرء من البعث يوم القيامة، ففي النهاية هو لم يخرج من الأرض، أو عن الكون في أبعد تصور، حتى لو تفرق في كل ناحية. والإنسان طوال عمره يتساقط منه بقايا من جسده كالأظافر والشعر وغيرها، وقد أثبت الاستنساخ أن أيا منها يمكن أن يقود للإنسان بأكمله. إن رب العالمين قد خلق فقدر ورسم خارطة الزمان كله، فالإنسان منذ خلقه قد رسم له أنه يعيش فترة من الزمن ثم يموت ثم يظل فترة من الزمن تطول أو تقصر في الحياة البرزخية، ثم يعود للحياة ثانية، حيث يحاسب على أفعاله في الدنيا، مما يجعل للخق معنى وحكمة، ويفصل بين الناس يوم القيامة، فيأخذ المظلوم حقه ممن ظلمه، ويأخذ المحسن مقابل إحسانه والمسئ مقابل إساءته في عدل إلهي أعظم ما يكون عدلا. ما يظهر أن البصمات ستذهب أكثر من مجرد الربط بين الروح وجسدها يوم القيامة، حيث إن كل جزء من الإنسان يمكن أن يشهد له أو عليه يوم القيامة، بما في ذلك الأيدي والأرجل والجلود: قال تعالي: 1. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النور: 24) 2. حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ (فصلت: 20-22) 3. الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يس: 65) نخلص من هذا المبحث بأن الأحماض الأمينية المتمكنة من كل أجزاء الجسم، فهي موجودة في جلده، وعظمه، ولحمه، وشعره، وكل خلية منه، بل حتى في دمعه ولعابه وعرقه فضلا عن دمه، هي ذاتها التي ستعيده مرة ثانية، وهذا أمر أسهل من الخلق الأول، الذي أسس لتلك الشفرات وتلك البصمات، وجعل كل إنسان له بصماته الخاصة، مهما طال الزمن. دعونا نتأمل في خلق الله العزيز الحكيم، الصانع المحكم لصناعته، والذي قد رسم خارطة الزمان كله بشقيه الدنيوي والأخروي، ألا يصح لنا أن نقول إن هذه البصمات المميزة الخاصة بكل إنسان هي عبثية لو لم تكن لها رسالة وأهمية جوهرية، تحمي خصوصية هذا الإنسان، وتضمن ارتباط الجسد بالروح، وارتباط الكل بالعمل؟؟ الفيديو التالي يعرض لصورة مقاربة لمقصود الآية: "يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر" اللهم أعنا على ذلك اليوم ووفقنا للاستعداد لأهواله
- ما لم يدركه الملحدون: الإيمان بالغيب
ما لم يدركه الملحدون: الإيمان بالغيب أ.د. ناصر بن صالح الزايد رمضان 1442 nalzayed@ksu.edu.sa سوف أتعرض لمشكلة في الرد على الملحدين لم أجد أحدا تطرق لها من قبل، وهي أولا وآخرا، توضيح لدحض حجتهم في مسألة إثبات وجود الله. يقول الفيزيائي الأمريكي البرفسور لورنس كراوس عند معرض حديثه عن الأديان: إنه لا يوجد دليل على وجود الله There is no Evidence . وقال مثله ريتشار دوكنز في أكثر من مناسبه. وقبلهما قال قوم هود (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين). ولو تتأمل لوجدت أن الحجة هي نفسها منذ الأزل. لقد عجز هؤلاء الخاسرون عن إدراك أهم سر في الوجود ينجيهم من عذاب الله، إنه الإيمان بالغيب. عندما أرسل الله – سبحانه - الأنبياء نبيا تلو نبي، (ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه). كان لدى هؤلاء الرسل رسالة مكونة من شقين: الشق الأول (الإسلام) والشق الثاني (الإيمان). فأما الإسلام فهو بحسب تعريفه الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة، فيشمل العبادات مثل الصلاة والصوم والصدقة والحج، وهي أعمال بالجوارح، ويختلف هذا الشق من رسول إلى رسول، فمثلا كان يسمح لقوم رسول بالصيام عن كل شيء إلا الماء، ومنع أتباع محمد (ص) حتى عن الماء أثناء الصيام، وكان أتباع موسى يصلون خمسين صلاة فخفضت لأتباع محمد إلى خمس صلوات. فهذا الجانب (الإسلام) هو عمل الجوارح الاختياري، ويسمى كذلك: الشريعة. وهناك قسم آخر وهو إسلام الجوارح غير الاختياري، بمعنى أن الجوارح لا تخرج عن قوانين الله التي أودعها الخلق، فالمرء لا يمكنه تحدي قانون النوم ويترك النوم، ولا يمكنه إيقاف رئتيه عن التنفس، ولا يمكن إيقاف قلبه، فهذه الجوارح تعبد الله وتسلم له كرها وليس طوعا. يقول الله – سبحانه – (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال). لا يوجد بالكون من يعصي الله إلا أصحاب الإرادة، ومنهم الجن والإنس فهؤلاء يعصون الله في الجانب الاختياري غير أنهم مسلمين بالقدر الكوني في جانبهم اللا إرادي. لا قيمة لأي من الإسلامين الطوعي الأرادي وغير الطوعي أي الكرهي عند الله يوم القيامة، ولو بلغت ما بلغت، إلا بالروح التي تعطيها الحياة وتجعل لها معنى وقيمة، إنه الشق الآخر من رسالة الرسل، الإيمان بالغيب، أو باختصار الإيمان. كل ما يقصد بالإيمان فهو يراد به إيمان بغيب: الإيمان بالله، والجنة، والنار، والملائكة، والقدر، كلها غيبيات، وبدون الإيمان بها والتصديق فلا قيمة لأي عمل آخر. لقد امتدح الله – تعالى – المؤمنين في أول سورة البقرة عندما قال: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب). مشكلة لورنس كراوس ومعه بقية الملحدين، أنهم لم يدركوا معنى الإيمان؟ عندما يقول: نريد دليلا أو بينة فهو سينقل القضية من الإيمان إلى اليقين المتأكد ، أو من الغيب إلى الشهادة. عندما يقول شخص تثق به إن حدثا ما سيقع غدا، فتصدقه، يكون لتصديقك قيمة ومعنى لأنها تحمل الثقة المطلقة بكلامه (إيمان)، أما عندما يقع الحدث فلا قيمة لذلك التصديق. كيف تريد أن تكافئ إنسانا عندما يؤمن بأمر وقع بالفعل؟ إنما الثواب والجزاء والمكافأة مقابل الإيمان بأمر لم تره بعد، لأنه يحمل معنى الثقة والتصديق، وهي لا تكون إلا فيمن تعتقد أنه يستحق تلك الثقة وذلك التصديق. وقد لا يقع الحدث في حياتك، فأنت تصدقه وتؤمن به حق الإيمان (لا ريب فيه)، وبذلك تستحق الجزاء. أما عندما تراه بعينيك فما قيمة إيمانك؟ أمر هؤلاء الملحدين عجيب جدا، هم لم يعرفوا أن قضية الأنبياء مع قومهم كانت في ذلك الجانب على وجه الخصوص، الإيمان بالله غيبيا، ويتبعه الإيمان بصفاته وأسمائه وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وعندما طلب قوم هود من نبيهم بينة، كان طلبهم غاية في الجهل، إذ لو جاءت البينة لانتفى الإيمان حيث تحول الأمر إلى حقيقة واقعة. لنتأمل في حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول فيما رواه عتبة بن غزوان رضي الله عنه: إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم، قالوا، يا نبيَّ اللهِ أو منهم؟ قال، بل منْكم. الألباني (ت ١٤٢)، السلسلة الصحيحة ٤٩٤ ، إسناده صحيح (الباحث الحديثي) ويؤيده: عن حبيب بن سباع أبي جمعة قال: كنّا مع رسولِ اللَّهِ ﷺ ومعنا معاذُ بنُ جبلٍ عاشرِ عشرةٍ قالَ قلتُ يا رسولَ اللَّهِ هل أحدٌ أعظمُ منّا أجرًا آمنّا بِكَ واتَّبعناك قالَ وما يمنعُكم مِن ذلِكَ والوحيُ ينزِلُ عليكُم وأنا بينَ أظهرِكم بلى قومٌ يأتونَ من بعدِكم يجدونَ كتابًا بينَ لوحينِ يؤمِنون بهِ ويعملونَ بما فيهِ [ويؤمِنونَ بي ولم يَرَوني، ويصدِّقونَ بما جِئتُ بِهِ ويعمَلونَ بِهِ] أولئكَ أعظمُ منكُم. ابن عبد البر (ت ٤٦٤)، الاستذكار ١/٢٢٩ ، رجاله ثقات، [ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢)، الأمالي المطلقة ٤٢، إسناده حسن]. (الباحث الحديثي) تبين هذه الأحاديث أهمية الإيمان بالغيب وأنه يعطي مزية إضافية لمن يؤمن، فمن يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره أعظم إيمانا (في هذه الجزئية) ممن آمن به وهو يراه ويرى معجزاته أمام عينيه. إنما هؤلاء الملاحدة يريدون تجربة تشبك فيها الأسلاك في المعمل وتربط بالأسلوسكوب حيث يظهر الله (جل شأنه) على الشاشة أو تظهر بينة واضحة ودليل قطعي. عند ذلك نقول لهم: هذا ليس إيمانا، فكل إنسان يصدق بما يراه أمامه. كيف تستحق الجنة إذن؟ فالجنة أمر غيبي وثمنها أن تؤمن بالغيب وتصدقه بدرجة لا تشوبها شائبة، فحتى الريب والشك يبطل الإيمان. ومما يؤيد ذلك ويوضحه انعدام قيمة الإيمان عند ظهور الآيات القطعية، ومنها نزول الملائكة أو طلوع الشمس من مغربها، فقد اشار القرآن في آية 158 من سورة الأنعام: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) وقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) فعندما يرون الملائكة عيانا فلا قيمة للإيمان، ويقول الله لهم: عندما ترون الملائكة عيانا فلا بشرى لكم، لأن ذلك يوم الجزاء وليس يوم العمل. وعندما تطلع الشمس من مغربها (بعض آيات ربك) كما فسرتها السنة، فلا قيمة للإيمان عند ذلك (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمن من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا). ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فإذا طَلَعَتْ ورَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ، وذلكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ. البخاري رقم: 4636 . (الدرر السنية) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، والدَّجَّالُ، ودابَّةُ الأرْضِ". مسلم رقم: 158 (الدرر السنية) فهذه آيات إذا خرجت ورآها الناس بأعينهم كانت دليلا قاطعا لا يقبل معه إيمان، لأن من شروط الإيمان أن يكون بالغيب. طلوع الشمس من مغربها لن يكون حتى ينعكس دوران الأرض وتصبح تدور بالاتجاه الآخر بحيث تشرق الشمس من جهة الغرب، فيدهش الناس ويعلموا بأن الكون قد تغير بصورة لا تقبل التراجع، وأن أحوال يوم القيامة قد بدأت، وظهرت علامة لا يمكن معها الشك، فيأتي وقتها الإيمان، ولكن الأمر متأخر جدا، فلا أهمية ولا قيمة لذلك الإيمان. ظهور الشمس من المغرب، علامة على بداية كون آخر، وعالم آخر بقوانين مختلفة، لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء المعروفة، ولا يخضع لأي علم سابق للبشر، فهي بذلك تؤذن بفتح صفحة جديدة، نهايتها عالم الآخرة الزاخر بالآيات الربانية، ففيه المؤمنون يرون ربهم ويرون الملائكة، ويرون الجنة والنار. وأما الكفار فيرون الملائكة (ملائكة العذاب) ولكن لا يرون الله، فهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، فلا يستحقون شرف مشاهدة الخالق سبحانه. ولإن كانت مشاهدته سبحانه أعظم أمنية يتمناها إنسان، وأعظم لذة يمكن تصورها، فإن الحرمان من ذلك يعد أعظم عذاب للطرف الآخر. هذا كلام لا يحتاج إلى تجربة وبينة، بل يحتاج للهداية، والهداية قلبية وليست عقلية ولا مختبرية. فمن اهتدى وانصاع قلبه وقبل بالحق، أنار الله له بصيرته فصارت تلك الأمور كأنها أمامه يراها بقلبه ويصدقها بفؤاده، ويتقبلها من مصدرها إما القرآن أو السنة . ولذلك لا يعرف أن الفلاسفة وفقوا في الوصول إلى هذه الحقائق منذ القدم، حيث يقول أحد أكابرهم (الرازي) يا ليتني أموت على مثل دين العجائز! وحتى لو توصل الفيلسوف بعد طول عناء إلى إثبات وجود الخالق! فآمن به، فما قيمة ذلك؟ هل ستقوده فلسفته إلى صفات الله وأسمائه؟ هل ستعرفه بالملائكة والقدر خيره وشره؟ وتعرفه بالرسل السابقين؟ هل ستوصله إلى حقيقة الجنة والنار وعذاب القبر ونعيمه؟ لقد كان أقوام الأنبياء يؤمنون بالله غير أنهم يشركون به، فلم ينفعهم مجرد إيمانهم بالله. وبالمناسبة فيكرر البرفسور كراوس بأنك لا تحتاج إلى دين حتى تصدق بالتجارب المعملية، وأنه يمكنك أن تدخل المعمل بلا عقيدة سابقة وسوف تحصل على نفس النتيجة، وهذا كلام صحيح فالإيمان بالله أو عدمه لا يؤثر على نتائج وأرقام التجربة، وهذا موضوع يخلط بين قضيتين مختلفتين: إن الإيمان بالله هو شرط للنجاة من عذابه، وليس شرطا في الحصول على نتائج تجريبية صحيحة. لأن الدنيا عالم خاص بنا نحن البشر، والله يحضنا على اكتشافها والتعرف عليها (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة). أما الآخرة فعالم مختلف. من المهم أن نؤكد بأن الإيمان بالغيب ومنه الإيمان بالله هو أمر لا يقبل مجرد الشك، فهو أمر لا ريب فيه، والله تعالى لا يقبل إلا التوحيد الخالص (ألا لله الدين الخالص). وقد كرر القرآن في أكثر من موضع التحذير من تصرف الشاكين (وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) (إنهم كانوا في شك مريب) (وإنهم لفي شك منه مريب) (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب). ولهذا يكثر في نقاشات الملحدين أن نسمع من يقول: لم لا تؤمن من باب الاحتياط! وهذا غاية في الجهل، فالله لا يقبل مثل هذا التلاعب، بل لابد من إيمان جازم حاسم واضح لا ريب فيه ولا شك، ويتحمل المرء في سبيله كل التبعات ويرخص من أجله كل غال ونفيس. ويجب أن لا نخلط هذا مع ما يحصل من الضعف مقابل أداء العبادات أو مقابل الشهوات، والتقصير الذي يقع فيه العباد في هذه النواحي، فهذا أمر يختلف عن عمل القلب وهو الإيمان، فالمسألة إما أن تؤمن أو لا تؤمن، وعندما تشك، أو ترتاب فيحسب عدم إيمان. وأعتقد بخطأ الفلاسفة عندما يبدؤون بالشك للوصول إلى اليقين، فهذا قد ينفع في بعض القضايا العلمية، لكنه لا ينفع في جانب الإيمان بالله، فالله قد أرسل الرسل وأنزل الكتب لكي يهدي الناس إلى الصراط المستقيم ويبعد عنهم هذا الشك، وقد ربط العذاب بوصول الرسالة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). باختصار شديد، الملحدون، يطلبون دليلا (عينيا) على وجود الله، ولو جاء الدليل (العيني) لانعدمت أهمية الإيمان، ولما صارت له أية قيمة. الإيمان بالله هو إيمان بالغيب، مع وجود دلائل كثيرة في الحياة لمن تأمل على وجود الخالق وعلى حكمته، ودقة صنعه، لكنها تحتاج إلى تحول القلب وقناعته، وهو المقصود بالإيمان. يقول تعالى (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم). لقد خضعوا لأوامر الإسلام بجوارحهم، ولكن قلوبهم لم تخضع بعد، ولم تصدق. وهناك سؤال كبير مطروح على الساحة: ما أسباب انتشار الإلحاد؟ والحق أنه موجود منذ القدم، ولكن صوره تختلف. وأما سببه الجوهري فهو المذكور في قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)) (الفجر). ولإن كان الطغيان شيئا واحدا، فإن الاستغناء له صور متعددة، فالمال يطغي وكذلك العلم يطغي ويضاف لها أية أسباب من أسباب القوة مثل السلطة. فالإنسان بطبعه عندما يشعر بالقوة سواء كانت مالية أم علمية أو سلطوية فإنه يجنح للشعور بالاستغناء عن الإيمان بخالق (يطغى). ولو تأملنا في طغيان السابقين لوجدناه كذلك، فطغيان قارون الذي كان من قوم موسى كان بسبب الثراء، وطغيان فرعون كان بسبب السلطة. وهؤلاء العلماء رأوا أن علومهم فسرت كل شيء (بزعمهم)، وبالتالي فلا أهمية -بالنسبة لهم - للإيمان بخالق. الجدول التالي يبين نسب الإلحاد لدى فئة منتقاة من مشاهير العلماء في مجالات الفيزياء والفلك والأحياء وغيرها، وقد تم تعريبه وهو نتاج عمل قام به عالم النفس الأمريكي: جيمس ليوبا في العام 1914، وكرره في العام 1933، ثم كرره في العام 1998 عالم آخر هو المؤرخ إدوارد لارسون (أمريكي) ونشرت النتائج في مجلة نيتشر العلمية بتاريخ 23 يوليو من عام 1998 في العدد 394 الجدول يؤكد أن نسبة من يعتقدون بوجود خالق كانت في حدود 28% في العام 1914 وتدنت بشكل كبير خلال العقد التالي إلى أن وصلت 7% فقط مع نهاية القرن الماضي (طبعا النسب خاصة بالعلماء). نحن نعلم أن القرن الماضي اتسم بكثرة الاكتشافات العلمية وهو يمثل ذروة الانفجار العلمي الذي قاده الإنسان خلال تاريخه الطويل. نسب الملحدين بين علماء الفيزياء المشهورين وعلماء الأحياء المشهورين تم قياسها في العام 2005 فوجدت 90% و 95% على التوالي (بحسب بحث قام به آرثر فولك، مجلة فسيولوجي المجلد 80، عدد 314، ص 543، 2005). ومن جهة ثانية فقد قامت صحيفة نيويورك تايمز في 15 مايو من العام 2005 بنشر تقرير حول الإلحاد بين أن 46% من الأثرياء (الذين يملكون دخولا تتجاوز 150,000 دولارا في السنة) يعتقدون بأن الإيمان بوجود إله (خالق) غير مهم. هذه النسبة أقل بنسبة 20% لدى الفئة الذين دخولهم أقل من 100,000 دولار بحسب الصحيفة. التقرير الأول يوحي بأن الاغترار بالعلوم المعاصرة يجر إلى الإلحاد، والتقرير الثاني يوحي بأن الثراء هو أحد الأسباب الرئيسية التي تقود إلى إنكار الخالق أو الألحاد. أرجو أن يكون واضحا بأن الدليل العيني القطعي على وجود الله هو موضوع حديثي، أي دليل ملموس لا يترك لأحد مجالا للشك أو الإنكار وهذا ما يبحثون عنه. أما البينات الأخرى مثل دقة الصنع، والإعجاز في الخلق، وأدلة بدء الخلق، وآثار الخالق في كونه وفي المخلوقات، فهي أدلة مختلفة، وإن كانت تحمل ما يكفي للإيمان بالله (لمن هدى الله قلبه)، وتصديق الرسل، إلا أنها تقابل لدى الملحدين بالاحتجاج بإمكانية تفسيرها علميا دون الحاجة لوجود خالق. تصور أن حية موسى عادت للظهور، أي استهزاء سيقابلها به هؤلاء الملحدين؟ وإلى أي منحنى سيتجهون في تأويلها والتلاعب بها؟ (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) الإسراء. اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك.
- هل تنهار مملكة أمازون في نهاية المطاف؟
هل تنهار مملكة أمازون في نهاية المطاف؟ أ.د. ناصر بن صالح الزايد nalzayed@ksu.edu.sa 12 رجب، 1442 هـ (24 فبراير 2021) ملخص: سوف أبين في هذا العرض أن أدوات شركة أمازون لم تصبح أدوات خاصة بها بل هي متوفرة لدى الجميع، ولا يوجد أي مبرر لاستمرارها في استقطاب التجارة العالمية، مع ذكر مؤشرات على التحدي الذي سوف يواجه الشركة. في نهاية المطاف التجارة الإلكترونية هي حرب رقمية، والحرب لها أدواتها، والتفوق هو في إمكانية الاحتفاظ بمميزات تنافسية. باختصار سوف تؤول التجارة الإلكترونية إلى صورة مشابهة للتقليدية (أي ستكون كل منطقة وإقليم وبلد له شركاته) ولكن بصورة إلكترونية. تعريف بشركة أو موقع أمازون: أمازون هي شركة أمريكية موجودة في مدينة سياتل من ولاية واشطن الأمريكية. أنشأ هذه الشركة الضخمة رجل اسمه جيف بيزوس في العام 1994 حيث كانت وقتها متخصصة ببيع الكتب فقط، لكنها سرعان ما توسعت وشملت جميع البضائع لاحقا وكذلك الخدمات والبرامج والالعاب. في العام 2015 تفوقت على شركة وول مارت الأمريكية التي تبيع البضائع بصورة تقليدية، وكان ذلك يمثل ضربة قاسية للتجارة التقليدية، حيث الضربات ما زالت تتوالى وتقود إلى إغلاقات الشركات تباعا. في العام 2018 تجاوز عدد المسجلين لديها حاجز 100 مليون. المحاور التقنية والتجارية: شركة أمازون اخطبوط متعدد الأذرع والاهتمامات، فلا تتوقف عند حد بيع وتسويق البضائع، بل تتعدى ذلك إلى اهتمامات أخرى. بشكل عام تقع الاهتمامات في المحاور التالية: المحور الأول: تجارة البضائع التقليدية (تحت مسمى التجارة الإلكترونية) هذا هو صلب اهتمام الشركة وهو الذي انطلقت منه واتسعت بعد ذلك. ومعظم هذا الجانب يغطيه الشركات الصغيرة الأخرى أو حتى الأفراد، وذلك باستخدام منصة أمازون بالإضافة إلى مستودعاتهم التي تخزن فيها البضائع بشكل مؤقت. تكلف هذه الخدمة البائعين 150 ريالا في الشهر بغض النظر عن حجم تجارتهم. وهذا تغير كبير في طريقة الرسوم التي كانت تؤخذ بالنسبة المئوية. المحور الثاني: الفضاء السحابي Cloud Computing تبين الصورة التالية أهم العناصر التي تدخل في عالم أمازون السحابي: فهي تقدم إمكانية التخزين السحابي بما في ذلك تخزين المحتوى، وإمكانية الحوسبة السحابية باستخدام برامج التشغيل المعروفة، وخدمات التطبيقات، وتحليل البيانات، وقواعد البيانات، والشبكات، وكل ما يخدم ذلك من إدارة وتطوير. أسعار هذه الخدمات تعتمد بشكل كبير على عوامل متداخله، ولذا فمن الصعب إعطاء أرقام، ولكن كمثال: إنشاء حاسوب سحابي باستخدام نظام لينكس يملك معالجين وذاكرة عشوائية 8 جيجا يكلف 10 سنتات (38 هللة) للساعة (270 ريالا بالشهر). وهذا هو أقل ما توفره. حتى الآن تعتبر الشركة الأولى في مجال الخدمات السحابية عالميا (مقيسا بحجم المداخيل) المحور الثالث: البث الرقمي Digital Streaming ويشمل ذلك البث المباشر لأفلام الفيديو والصوتيات (مثلا الكتب الصوتية). لا تمثل حصة أمازون نسبة كبيرة في هذا السوق، وتواجه تحديا واضحا من الشركات المتخصصة على رأسها نتفلكس ويوتيوب، علما بأن يوتيوب (قوقل) بدأت حديثا في هذا المجال المحور الرابع: عالم الصناعة وخاصة الإلكترونيات منذ عام 2007 و صناعات أمازون تتوالى، ففي ذلك العام أعلنت عن القارئ الإلكتروني (كندل)، ثم اضافت حاسوبها اللوحي في العام 2011، وطورته في العام التالي. في عام 2014 أعلنت عن جهاز التلفزيون المسمى فاير. في نفس العام دخلت عالم الهواتف الذكية حيث أصدرت فاير فون والذي توقف لاحقا. إضافة إلى بعض القطع الالكترونية الأخرى. محاور أخرى متنوعة: تملك الشركة نظام شحن خلال يومين يسمى برايم، وستوديو للألعاب، ولها باع في النشر، وخدمات لرجال الأعمال، وتوفر خدمة أمازون درايف (تشبه خدمة قوقل درايف). كما أن للشركة سلسلة من المحلات المتخصصة بالطريقة التقليدية مثل بعض محلات بيع الكتب. بل إنها دخلت حتى في خدمات المنزل مثل أعمال السباكة والكهرباء وتركيب الأجهزة الإلكترونية بل وحتى العناية بالحدائق المنزلية! ومن آخر إقلاعات الشركة اللامحدودة دخولها في عالم الدفع الإلكتروني عن طريق نظام أمازون كاش حيث تسهل عملية إيداع الكاش والاستفادة منه في المشتريات. الأخطار التي تتهدد الشركة وقد تقود إلى تحديات كبيرة: بدأت في الفترة الأخيرة تتصاعد وتيرة التذمر من تعملق الشركات الالكترونية وعلى رأسها شركة أمازون. ففي عريضة قدمتها السناتور الأمريكية إليزابيث وارن فقد طالبت بوضع قيود على تلك الشركات التي قالت إنها صارت مثل البلدوزر يدمر كل ما في طريقه، ويدمر التنافسية، ويقضي على الشركات الصغيرة. واتفقت معها النائبة الاكساندريا أوكاسيو-كورتز حيث قالت إن جيف بيزوس يملك المليارات ولا يصرف إلا النتف على موظفيه الذين يواجهون الجوع. وهذا الطرح يتفق أيضا مع ما طرحه السناتور بيرني ساندرز في هذا السياق. ولعل هذا يعطي بعض المؤشرات غير السارة للشركة، فلا أحد يستفيد فعليا من تكدس المليارات بيد بضعة أشخاص في حين تواجه الشركات الصغرى الإفلاس ويتبعها موظفوها ومالكوها. أول ما ظهرت الشركة أصابت الشركات الأخرى بالصدمة القوية، فترنحت تلك الشركات وأغلق معظمها، خاصة تلك الشركات التي ليس لديها خبرة ولو متواضعة بالتسويق الإلكتروني. ولكن مع مرور الوقت ونضوج تلك الشركات ومعرفتها بسهولة التسويق الإلكتروني، فقد بدأت تمتص تلك الصدمة بالتدريج. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن شركة وول مارت الأمريكية، والتي كانت تتربع على قمة تجارة التفريد والجملة في تلك البلد حتى وقت قريب، قد واجهت التحدي الشديد من أمازون وكادت تتهاوى لولا أنها تماسكت أخيرا وصارت تستخدم نفس التقنيات، بل استخدمت فروعها الرئيسية كمحطات شحن، فأضافت لخبرتها الطويلة في توفير البضائع الرخيصة، ميزة التسويق الإلكتروني. وكذلك سلكت شركات أخرى مثل شركة تارقت، وشركة بست باي. الأخيرة بدأت تقلص من المساحات التي تحتاجها لتوفير المال وتستعيض عن ذلك بالخدمات الإلكترونية. تأمل في الشكل البياني التالي وتذكر أن تفوق أمازون على وول مارت تم في 2015 تلاحظ من الشكل السابق مرحلتين مهمتين: مرحلة الصدمة وهي تزايدت خلال السنوات من 2014 حتى بداية 2016 حيث تغيرت استراتيجيات الشركة وتحسنت مداخيلها بشكل متصاعد (بالتأكيد على حساب شركات أخرى منها أمازون). ماذا حصل في تلك الفترة؟ في المرحلة الثانية قامت وول مارت بالاستحواذ على شركة jet.com المتخصصة في التجارة الإلكترونية. تلا ذلك الاستحواذ على شركة shoebuy.com و شركة moosejaw.com وهي شركات لديها خبرة في التجارة الإلكترونية. بعد ذلك استحوذت الشركة على modcloth.com فضمتها لطاقمها الإلكتروني. لعل هذا يوحي بطبيعة الحرب المستعرة. لم تستسلم شركة وول مارت بل نهضت وتحدت وسحبت جزءا من البساط من تحت عملاق أمازون. تجربة وول مارت تشبه إلى حد كبير تجربة مكتبات جرير، وهي الجمع بين المعارض والتسويق الألكتروني، وبذلك تكسب السوق المحلي وتفتح الآفاق أمام الجيل الجديد الراغبين في الشراء أون لاين. أعتقد أن تجربة جرير تعد من أروع التجارب، كونها استفادت من خبرتها التسويقية، ووظفتها بصورتها الإلكترونية، وفي نفس الوقت وفرت الوظائف لأعداد كبيرة من العاملين لديها. إن قرب معارض جرير من الزبائن يعطي شعورا بالأمان والثقة حتى لو كان الشراء ألكترونيا. لعل هذا يقودني إلى التعرض لطبيعة تلك المعركة التي أشرت إليها للمرة الأولى أعلاه. إنها معركة رقمية بامتياز، أدواتها رقمية، وعالمها رقمي، وتعتمد على نفس المبادئ الرئيسية للتجارة التقليدية (إرضاء الزبون، وتقليل الأسعار)، غير أن الخبرة والسبق لعبا دورا كاسحا في السنوات الأولى لصالح البعض. وبما أننا أشرنا لأدوات المعركة، فنطرح سؤالا جوهريا: هل تستطيع أمازون أن تستمر في تربعها على قمة العرش؟ بما أن إرضاء الزبون هو في نهاية المطاف الحلبة الرئيسية للتحدي ومعها تنافسية الأسعار، فما الذي سيضمن لأمازون استمرارها في كسب هذين المبدأين؟ كما ترى – عزيزي القارئ – من السهل على أي أحد أن يقوم بإنشاء متجر الكرتوني، ومن السهل على هذا المتجر أن ينمو بسرعة البرق، ويشارك بالتالي في سحب البساط من تحت أقدام أخطبوط أمازون ولو جزئيا. إن التقنيات التي كانت غامضة في السابق صارت اليوم معروفة للجميع، وتحولت المعركة ذات الأسلحة الغامضة إلى معركة مكشوفة، وصارت تغري الكثيرين إلى خوض غمارها وعرض أفكارهم. بالنسبة للشركات الكبرى، فالتزاماتها صارت تتضخم، مما يفقدها بعض مميزات التنافسية، فالشركات التقليدية بمجرد أن تضيف لنفسها بعدا إلكترونيا، فإن هذا سيحافظ عليها، وسيقوي جانبها، وهي تملك بالفعل كل أدوات التسويق والتحدي. لعل من أهم مؤشرات الألم الذي صارت أمازون تشعر به، هو تغيير سياستها مع المتاجر، حيث كانت تأخذ نسبة عالية تصل إلى 25% في بعض الأحيان، وها هي الآن تراجعت وصارت تأخذ مبلغا زهيدا (150 ريالا فقط في كل شهر) وهذا لا شك يقلل من مداخيلها، ولكنه يشير إلى أنها تخاف أن تفقد السوق مقابل شركات تطلب رسوما وعمولات أقل. إذن هنا وضعنا اليد على أحد الأخطار، ألا وهو أن قدرة غيرها على توفير فرص أفضل للمسوقين، خاصة ما يتعلق بانخفاض الرسوم المطلوبة قد يغريهم بالتحول وترك أمازون. هناك مشكلتان عويصتان تتعلقان بالتجارة الإلكترونية: طرق الدفع، وطرق التوصيل. وكلا من هاتين الطريقتين تقدم مقابل رسوم. وكما نلاحظ فإن طرائق الدفع خرجت من قمقمها التقليدي (مثلا بطاقات الائتمان) إلى عالم أرحب وأوسع فصارت طرق الدفع توفر من جهات لا تحصى، ففقدت تلك الشركات التقليدية ميزتها التي تربعت عليها عقودا طويلة. إنها تقنية كانت خاصة بهم واليوم صارت كل الدول توفر لشعبها ما يلزمه من طرق الدفع. ونفس الكلام ينطبق على البريد والتوصيل والشحن، فقد دخل فيها أطراف جديدة وتعددت قنواتها، مما فتح الباب أمام أضعف الكيانات لكي يسوق بضاعته بأبخس الأثمان. فكما يبدو إذن، فترة الصدمة تلاشت أو كادت، وانتبه الجميع إلى كنوز الذهب الإلكترونية، ولا يوجد مبررات أو قيود حقيقية تقفل الطريق أو حتى تضيقه على غير شركة أمازون. فطرق الدفع متاحة للجميع، وطرق التسويق كذلك، ومصادر بضائع الجملة لا تفرق بين عمرو وزيد. ولهذا فإن من السيناريوهات، أن تتقلص الأبعاد الدولية لشركة أمازون، وتنكفئ على نفسها وتصبح مقتصرة على التسويق المحلي، وتقوم شركات محلية في كل دولة وكل إقليم يسحب البساط لصالحه، كونه ابن المنطقة ويتمتع ببعض المميزات الخاصة. أي يعود الوضع كما كان سابقا، سوى أنه يلبس ثوبا إلكترونيا. باختصار، لا يوجد مبررات ولا أسباب جوهرية تجعل من أمازون البطل الذي لا يقهر، وحرص حكومات العالم على مصالح شعوبها، ستقودها في النهاية إلى وضع العراقيل أمام العملة الصعبة لكي لا تستمر بالتدفق باتجاه مدينة سياتل، خاصة وأن ذلك اقترن بفقد الوظائف أيضا. هل يعقل أن تكون بضاعة ما تصل من أمريكا أرخص من إرسالها من قلب الرياض؟ طبعا لا، ولذلك سارعت أمازون بشراء souq.com وقلبتها أمازونية صرفة. لم لا تخرج شركات أخرى من قبل أصحاب الأرض تتحدى أمازون؟ أليس أهل مكة أدرى بشعابها؟ ولدينا بعض الأمثلة الناجحة منها شركة جرير كما سبق، ومنها شركات مثل أكسترا، والمنيع وغيرها. أما سوق نون المتخصص في التجارة الألكترونية فهو أفضل مثال. ولعل في تصريح الأستاذ محمد العبار، مؤسس منصة نون، بتوجه الشركة إلى المساهمة العامة، وفتح أسواق في دول أخرى ما يؤكد ماذهبنا إليه [i]. وهاهي شركة إعمار مولز الأماراتية تدشن الموقع الألكتروني لـ دبي مول على منصة نون وذلك في منتصف العام المنصرم. لقد كان لتوفر شركة توصيل ذات خبرة هي أرامكس، وطرق دفع مبتكرة مثل مدى، الدور الأكبر في إنجاح مشاريع مثل نون وجرير، وهي الأدوات الرئيسية في مثل هذه المشاريع. مثال: لشراء يد بلاي ستيشن بالمواصفات: DualShock 4 Wireless Controller For PlayStation 4 بمقارنة الأسعار قبل تخفيض نون: أمازون: 302، نون 316، جرير 305. هناك ميزتان للسوق المحلي: استخدام بطاقة مدى في الدفع، التوصيل أسرع. العميل الذي يهمه السعر فقط سوف يختار نون بكل تأكيد. إذن إمكانية تقديم خدمات أفضل لدى الأسواق المحلية ممكنة، وإمكانية سحب العملاء أمر وارد كما ترى. [i]https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1315221
- مسح الملفات (المستعصية) التي ترفض الوندوز مسحها
مسح الملفات (المستعصية) التي ترفض الوندوز مسحها بعض الأحيان تمر بنا حالات نريد مسح الملفات ولكن وندوز ترفض مسحها إما بسبب طول اسم الملف أو بسبب كون حجمه صفر 0 kb . للتغلب على هذه المشكلة: أولا: حاول تقصير اسم الملف 1. ابدأ بالدليل الذي يحتوي هذا الملف وغير اسمه إلى حرف واحد فقط 2. ثم كرر هذا العمل مع الدليل الفرعي وهكذا حتى تصل اسم الملف الذي أيضا قصر اسمه لحرف واحد فقط 3. حاول مسح الملف الآن ثانيا: المسح من خلال أيقونة الدوس 1. استخدم CD للذهاب للدليل 2. استخدم أمر del *.* لمسح المفات المستعصية ثالثا: في حال فشلت المحاولات السابقه أفضل طريقه هي تركيب برنامج Wise Force Deleter موجود على الرابط التالي: https://www.wisecleaner.com/wise-force-deleter.html لاستخدام هذا البريمج: 1. شغل البرنامج كالعادة 2. اضغط Add File 3. اضغط على Unlock & delete 4. سوف يتم مسح الملف
- منصة حاسوب كمي متكاملة (بصرية بالكامل هذه المرة)
منصة حاسوب كمي متكاملة (بصرية بالكامل هذه المرة) مقال مترجم بتصرف أ.د. ناصر بن صالح الزايد nalzayed@gmail.com A complete platform for quantum computing في عمل جديد ورائد، تمكن باحثون في الجامعة الدانماركية للتقنية من تصميم منصة متكاملة لحاسوب يعتمد تقنيات الحواسيب الكمية ولكنها تعتمد على التكميم البصري بشكل كامل. يتميز هذا الحاسوب بميزتين لا يتميز بهما الحاسوب الكمي فائق الموصلية: الأولى: أنه قابل للتمدد و التوسع بسهولة، والثانية: أنه لا يحتاج لأي تبريد بل يعمل بصورة كاملة عند درجة حرارة الغرفة. يضاف لهذا أن هذا الحاسوب يستخدم نفس الألياف البصرية (الضوئية) القياسية التجارية. بهذا فإن تلك الجامعة قد حازت قصب السبق في هذا المضمار. حتى هذا اليوم، فإن الحواسيب الكمية المعتمدة على المواد فائقة الموصلية والتي – حتى هذه اللحظة – تعمل عند درجات حرارة منخفضة، هذه الحواسيب هي السائدة على الألسن، وقد حظيت بدعم كبير جدا من كبار الشركات مثل أي بي إم وقوقل. هذه الصورة النمطية بدأت تتغير الآن بفضل هذا الاكتشاف الذي تقوده جهود الباحثين في قسم الفيزياء في الجامعة الدانماركية المذكورة وتحديدا في مركز (بق كيو) bigQ (مختبر متخصص في الحالة الكمية) . وبالرغم من أن الحاسوب الكمي البصري يمكنه تشغيل جميع اللوغارثميات المعروفة، إلا أنه يختلف بصورة أساسية عن الحواسيب التقليدية، ولكن يتفق معها في بعض الأمور. في الحواسيب العادية توجد دوائر منطقية Logical Devices وفي هذا الجهاز توجد أيضا دوائر مشابهة تسمى Qubits ، كما توجد بوابات Gates والتي تنفذ العمليات المطلوبة (تشغيل اللوغارثميات). يقوم نظام هذا الجهاز على ما أسموه: مجموعة البوابات المعممة، وهي الميزة الطاغية في الموضوع، لأن معناها أن أي لوغارثمية محددة يمكن إجراؤها بمجرد تحديد المدخلات أو الكيوبتات البصرية. السمة المهمة في هذا الحاسوب هي إمكانية التوسع: إن قدرة الحواسيب الكمية الفائقة تجعل من العمليات الحسابية أمرا سهلا مقارنة بنظيراتها الأجهزة التقليدية التي تعتمد على الترانستور. وهذا سوف يفتح أبوابا واسعة أمام مزيد من التقنيات والإمكانيات أمام الصناعة الرقمية. أهم شيء أن هذا الحاسوب الكمي مشكل من مكونات كمية يمكن التحكم بسهولة في عددها، مما يجعله جهازا قابلا للتوسع. من الناحية النظرية البحتة، لا فرق بين الحاسوب الكمي المعتمد على المواد فائقة الموصلية، وهذا الحاسوب، ولكن من الناحية العملية فإن الأول يعتمد على عدد محدود من الكيوبتات المشكلة للمعالج، والتي لا يمكن زيادتها. في الحالة البصرية لا حدود تقف أمام التمدد، حيث يمكن إضافة كيوبتات جديدة لنظام قائم، وكل ما يلزم هو ربطها بالجهاز عن طريق نظام الترابط الكمي. وبالتالي فعمليات التوسع Scalability هي أمر سهل للغاية. وسمة أخرى مهمة في هذا السياق وهي عدم الحاجة للتبريد، فقط استخدام الألياف البصرية عند درجة حرارة الغرفة. وعلى ذكر الألياف البصرية، من السهل ربط هذا الجهاز بشبكة الأنترنت الكمية المتوقعة مستقبلا عن طريق تلك الألياف بشكل مباشر. بالمناسبة هذا الحاسوب يقوم على ما يسمى: الحالات المتراكبة ثنائية البعد بأكثر من 30 ألف حالة كمية مترابطة. يقع ضمن أهداف الفريق، تطبيق براءة اختراع على معالجة نظرية تقدموا بها سابقا حول التخلص من الأخطاء الحسابية والفنية، تطبيقها على هذا الجهاز عمليا. هذه الأخطاء تعد أحد التحديات أمام الحواسيب الكمية (تعرف على عدد الفوتونات التي تفقد في مقالنا: الارتباط الكمي في الأنترنت الكمية). الفريق البحثي فخور بهذا الإنجاز ويتطلع إلى التوسع في مشروعه وأكبر عقبه تواجههم حاليا هي الدعم المالي.
- جدار مجري ضخم على مرمى 500 سنة ضوئية فقط من الأرض
جدار مجري ضخم على مرمى 500 سنة ضوئية فقط من الأرض أ.د. ناصر بن صالح الزايد nalzayed@ksu.edu.sa قد يبدو الكون عبارة عن أشلاء متناثرة من المكونات مبعثرة كيفما اتفق. غير أن هذا التصور غير صحيح، حيث تثبت البحوث العلمية المتخصصة في الكونيات أننا كلما دققنا النظر وتمكنا أكثر وأكثر من رسم الصورة المكبرة، كلما اكتشفنا مجاميع كبيرة من تشكلات ضخمة من المجرات التي تشكل في النهاية بناء واحدا مترابطا بقوى الجذب العام. وكأحد هذه الكشوفات، فقد كشف الستار أخيرا (منتصف شهر يوليو – 2020) من قبل عدد من العلماء، دانييل بوماريدي ( DanielPomarède) من جامعة باريس ساكلي بالتعاون مع ريتشارد تولي (R. Brent Tully) وفريقه من جامعة هاوايي، كشفوا عن تجمع ضخم من المجرات يشكل بناء متماسكا عرضه يقدر بـ 1.37 مليار سنة ضوئية، وسمكه يقدر بـ 600 مليون سنة ضوئية، ولا يبعد عن الأرض إلا مسافة تقدر بـ 500 سنة ضوئية. أطلق هؤلاء العلماء على هذا التشكيل المجري الضخم اسم: جدار القطب الجنوبي South Pole Wall . ويعد هذا التشكيل من أكبر ما تم رصده في الكون حتى هذه اللحظة. ولا غرابة أن يتم الاكتشاف متأخرا بهذه الصورة، فالعلماء يعتقدون بأن أغلب مادة الكون غير معروفة حتى الآن، أي أن ما يقرب من 85% من مادة الكون غير معروفه فأطلقوا عليها المادة السوداء (غير قابلة للرصد). ربما يرد للذهن سؤال عن سبب التسمية؟ فالجدار عادة يفصل الخارج عن الداخل، وكذلك – بحسب رأي هؤلاء العلماء – فجدار القطب الجنوبي يفصل الفراغات الكونية الشاسعة التي وراءه عن ما دونه. وهذا الجدار ليس هو الأول ولا هو الأكبر أيضا، فهناك جدران (تشكيلات بنوية ضخمة) أخرى سبق اكتشافها منها على سبيل المثال جدار GRB العملاق والذي يقدر اتساعه بحوالي 10 مليارات من السنوات الضوئية، غير أن هذا الجدار الأخير تقع أهميته بكونه قريبا جدا من مجرتنا، ولذلك فقد استغرب الكثيرون كيف لم يكتشف إلا حديثا مع أنه قريب بهذا الشكل؟ فهو في الحقيقة جزء من منظومة المجرات التي مجرتنا واحدة منها. أجاب العلماء على هذا السؤال بأن هذا الجدار يقع ضمن ما يمكن أن نطلق عليه المنطقة المعتمة (Zone of Galactic Obscuration)، أي منطقة تتحاشى أجهزة الرصد ابتداء مراقبتها كونها متداخلة مع كثير من الغبار الكوني والتكتلات الغازية والعدد الضخم من النجوم اللامعة مما يجعل التمييز – ربما – صعبا. ولنختصر الفكرة بأسلوب أسهل: لم يكن أحد يتوقع أن هناك تشكيلات بنوية بهذه الضخامة وعلى هذا القرب من مجرتنا، فلم يعمد ابتداء لمراقبة ذلك. ولذلك فيرد سؤال آخر: إذن كيف تم اكتشاف هذا الجدار؟ والإجابة في أن العلماء المشار إليهم كانوا يتفحصون قاعدة بيانات خاصة بالمجرات (تحتوي معلومات تتعلق بأكثر من 18 الف مجرة) تحتوي على معلومات تتعلق بالمسافات والسرعات النسبية تم تسجيلها بناء على طريقة الانزياح الطيفي الأحمر كمؤشر على التحرك والسرعة. مكنت هذه القاعدة البيانية العلماء من تقدير السرعات النسبية للمجرات نسبة إلى بعضها بعضا، ما أظهر افتراض وجود قوة كونية مؤثرة في الخلفية (أو قل كتلة كونية مؤثرة غير هذه المجرات المقصودة) تؤدي بناء على معايير قوى الجذب الكوني إلى المشاركة في الحركات المشار إليها. وبناء على ذلك فقد لجأ العلماء إلى نماذج رياضية تحدد معالم هذا التشكيل البنيوي المفترض، من قياس أبعاد تأثيره من خلال متغيري المسافة والسرعة، مما مكنهم من رسم صورة واضحة لأبعاد هذا المكون الكوني الذي أطلقوا عليه جدار القطب الجنوبي. تستطيع أن تتخيل هذا الجدار بكونه قطعة من قشرة الحبحب بحيث يكون مركزه على مسافة تقترب من 500 مليون سنة ضوئية عن الأرض، في حين أن أطرافه تقع في حدود 300 مليون سنة فقط. تتحرك المجرات بحذاء حافة القشر مقتربة من المركز (الجنوبي) ذو الكثافة الأكبر حيث تقترب من تأثير مجموعة مجرية أخرى تسمى (شابلي سوبر كلاستر) على بعد 650 مليون سنة ضوئية. حتى أبسط الصورة التي من خلالها تم اكتشاف هذا العملاق الكوني سأعطي مثالا بسيطا يمكن فهمه: تخيل أن لديك بندولا مربوطا بحبل طويل مثبت في سقف الغرفة، والبندول عبارة ن كرة صغيرة من الفولاذ. ثم أطلقت هذا البندول، وقمت بقياس الزمن الدوري. غير أن قياساتك اختلفت عن الحسابات المفترضة؟ فصرت تتأمل؟ هل العلاقات الرياضية خاطئة؟ مستحيل! إذن ماذا يجري؟ وصرت تفتش عن الحل حتى اكتشفت وجود مغناطيس قوي موجود في الغرفة في مسار البندول مغطى تحت قطعة من القماش، وكلما مرت كرة البندول بالقرب منه تأثرت بقوته، مما سبب إرباكا في الزمن الدوري. باختصار الخطأ التجريبي في قياساتك جعلك تفكر في السبب الذي قادك لاكتشاف قوة مخفية لم تكن تأخذها في الحسبان. وهذا بالضبط ما فعله العلماء الذين اكتشفوا فوارق في سرعات المجرات المعنية، افترضوا على أساسها وجود قوة مؤثرة بالمواصفات والأبعاد التي ذكرنا من أجل تصحيح قياسات السرعات والمسافات. المراجع: 1. الورقة العلمية المنشورة: https://iopscience.iop.org/article/10.3847/1538-4357/ab9952 2. الخبر في صحيفة ديلي ستار البريطانية: https://www.dailystar.co.uk/news/latest-news/massive-wall-galaxies-not-distant-22366294 3. الخبر مفصلا في موقع ساينس أليرت: https://www.sciencealert.com/a-giant-wall-of-galaxies-has-been-found-stretching-across-the-universe
- علماء الفيزياء ينتجون مادة فائقة الموصلية من الجرافين الملفوف
علماء الفيزياء ينتجون مادة فائقة الموصلية من الجرافين الملفوف (ساندويتشة النانو) مقال مترجم بتصرف البحث الذي نحن بصدده مهم من أكثر من ناحية مساهمته في حل لغز الموصلية الفائقة وقد يقود إلى موصلات فائقة عند حرارة الغرفة. عندما يتم وضع لفافتين من الجرافين فوق بعضهما (اللفافة عبارة عما يماثل الورقة ولكنها مصنوعة من طبقة واحدة فقط من ذرات الكربون). هاتين اللفافتين عندما توضعان فوق بعضهما بزاوية معينة، فإن ذلك يحولهما إلى موصل فائق! (موصل بدون مقاومة للتيار الكهربائي). هذه الزاوية السحرية التي تنقل الجرافين من موصل عادي إلى فائق تم اكتشافها لأول مرة في العام 2018 لطبقتين من الجرافين فقط من قبل مجموعة من علماء جامعة إم أي تي ومعهد علوم المواد الوطني الياباني. ومنذ ذلك الحين يبحث العلماء عن مواد أخرى تحقق نفس الشرط تحت ما صار يعرف بالإلكترونيات الملفوفة! Twistronics . في بحث نشر حديثا من قبل نفس الفريق السابق في مجلة نيتشر، تم اكتشاف الموصلية هذه المرة في صف من ثلاث لفائف من الجرافين فوق بعضها وعند زوايا سحرية أيضا. ولكن المادة الناتجة تفوق فيزيائيا نظيرتها السابقة. يقوم الفريق البحثي بالتحكم في الطبقات عن طريق المجال الكهربائي، مما يعني التحكم بالموصلية الفائقة بهذه الطريقة التي لم تحصل من قبل. يقول الفريق الباحث: كنا نتوقع أن الموصلية الفائقة في الجرافين ذي الطبقتين كانت شيئا نادرا، وها نحن نحصل على موصلية فائقة من ثلاث طبقات. لاحظ أن الاكتشاف تقع أهميته في ناحيتين: موصلية فائقة في مادة جديدة تماما، وإمكانية التحكم بالموصلية فقط عن طريق تعديل زاوية الإزاحة للطبقة الوسطى بالنسبة للطبقتين الآخرين. أي صار لدينا موصلية تحت الطلب! يقول الفريق: سوف يخدم هذا الاكتشاف بشكل كبير حقل المعلومات الكمية وحقل الاستشعار الدقيق. من أجمل ما يشاهد في المجال الفيزيائي أن تتطابق الأطروحات النظرية مع النتائج التجريبية، ولا يهم أيهما يسبق، فقد سارع علماء الفيزياء النظرية بفحص الموضوع واقترحوا أن حصول الموصلية الفائقة في طبقتين يعني إمكانية حصولها في أكثر من ذلك. وهذا ما أثبته الفريق المذكور. كانت الفكرة النظرية تقول بأنه لو تم وضع ثلاث لفائف من الجرافين فوق بعضها بحيث تكون الطبقة الوسطى مدارة بزاوية 1.56 درجة بالنسبة للفافتين الأخريين فإن هذا يقود إلى نظام متناسق بطريقة تشجع الإلكترونات لتشكل أزواجا تتحرك بلا مقامة شأنها شأن الموصلات الفائقة التقليدية. على هذا الأساس قام الباحثون المذكورون بتجربة هذا الطرح ولدهشتهم أنهم حصلوا على ما كان النظريون يعتقدونه. كما سبق أعلاه، هذه الموصلية يمكن تشغيلها وإطفاؤها كما في الترانستور عن طريق المجال الكهربائي. للمعلومية تم إجراء التجربة عند درجات حرارة منخفضة في حدود 3 درجات كلفن. للمقارنة، الألمونيوم يصبح فائق الموصلية فقط عند حدود 1 درجة كلفن مع أن لديه كثافة أعلى في الإلكترونات. يخطط الفريق لزيادة عدد طبقات اللفائف، لعل أن يؤدي ذلك إلى رفع درجة الحرارة أكثر وفي ذهنهم درجة حرارة الغرفة كهدف بعيد.
- هل المجال المغناطيسي للأرض على وشك الانقلاب
هل المجال المغناطيسي للأرض على وشك الانقلاب أ.د. ناصر بن صالح الزايد nalzayed@gmail.com قبل الدخول في الموضوع يتوجب علينا أن نشترك في الخلفية العلمية للموضوع. لهذا دعونا نتعرف أولا على المواضيع التالية: ما هو المجال المغناطيسي الأرضي؟ كما في الشكل المجاور، المجال المغناطيسي الأرضي هو عبارة عن غلاف من خطوط المجال المغناطيسي يغطي الأرض بما يشبه الزلال في البيض إلا أنه غير مرئي بالعين المجردة، وكثافته تقل كلما ابتعدنا عن الأرض. هذا المجال هو المسؤول عن حماية الأرض ضد الإشعاعات الكونية الضارة الصادرة من الشمس على وجه الخصوص بسبب قربها. لولا عناية الله بهذه الأرض وتغليفها بهذا المجال، إضافة للغلاف الجوي بطبيعة الحال، لربما مات كل شيء على ظهرها بسبب هذه الإشعاعات المشحونة، ولربما حتى الغلاف الجوي نفسه تلاشى مع مرور الزمن بسبب التفاعل بين جزيئاته والجسيمات الكونية ذات الطاقات العالية. وصدق الله إذ يقول (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون). فعندما تصل تلك الجسيمات المشحونة باتجاه الأرض فأن مسارها يبدأ بالانحناء التدريجي بسبب المجال المغناطيسي حتى تنحرف أخيرا باتجاه الفضاء الخارجي وتعود إليه ولا تصل إلى الأرض. لماذا يحصل المجال المغناطيسي الأرضي؟ يوجد في قلب الأرض معادن حارة ومنصهرة أهمها الحديد والنيكل تحيط بنواة الأرض الحديدية الصلبة، وبالتالي فهي تلتوي بسبب لف الأرض حول نفسها وتدور حول تلك النواة مما يحدث تيارات كهربائية، تحدث بدورها المجال المغناطيسي للأرض. وحاليا القطب الشمالي لهذا المغناطيس هو باتجاه الشمال الجغرافي للأرض تقريبا، والخطوط تتجه من القطب الجنوبي للشمالي. وهذا مما يجعل الأجسام المشحونه التي سبق ذكرها تتحرك باتجاه القطب الشمالي أو الجنوبي متحركة على طول تلك الخطوط وتتركز هناك، مما يشكل ظاهرة معروفة في القطبين هي ظاهرة (الشفق القطبي) ويسمى أيضا بالفجر القطبي. الجسيمات المذكورة تشع ضوءا مرئيا بألوان مختلفة عندما تتسارع في منطقة القطبين في ظل وجود مجال مغناطيسي، كما أن عملية التأيين والإثارة التي تسببها للوسط المحيط تشارك أيضا في هذا الضوء اللامع. هل حصلت انقلابات مغناطيسية في السابق؟ بحسب بعض العلماء فإن هناك انقلابات حصلت في السابق وكان آخرها قبل حوالي 780,000 عام، وهو قديم جدا كما تلاحظ وحصل قبل خلق آدم بفترة طويلة جدا. والشواهد التي استخدمها العلماء للتدليل على حصوله هي من مصدرين تقريبا: الأول من اللافا السائلة التي نتجت من البراكين وغيرها عندما تترسب في قاع المحيط، فأنها ترتب نفسها أثناء التجمد بما يتناسب مع اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي في وقت الترسب (حصول التمغنط من مجال الأرض)، وهي بذلك تحتفظ ببصمة أو سجل عن هذا المجال، تماما مثل ما يقوم الشريط الممغنط بتسجيل الصوت، أو تخيل تساقط الطين في أثناء هبوب رياح قوية وتصلبه فهو يحافظ على شكله مع بصمة تدل على اتجاه الرياح أثناء تصلبه. وأما المصدر الثاني فهو الأحافير التي تتراكم في أعماق المحيطات، فهي الأخرى تحتفظ بسجلات عن طبيعة واتجاهات المجال الأرضي في وقت ترسبها. ماذا عن الانقلاب القادم؟ بحسب مقالة علمية صدرت في مجلة ساينتفك أمريكان في منتصف عام 2014 م، اعتمدت على بيانات صدرت من أقمار سوارم الأوروبية (وتعني السرب وعددها ثلاثة أقمار صناعية) متخصصة في دراسات المجال المغناطيسي الأرضي باستخدام أجهزة علمية دقيقة ومتطورة، فإن شدة المجال المغناطيسي الأرضي في النصف الغربي من الكرة الأرضية صار يضعف بشكل أسرع من المتوقع بشكل كبير، في حين أن شدته في مناطق في النصف الآخر، على سبيل المثال فوق المحيط الهندي تزداد قوة. وفي الوقت الذي لم يتمكن العلماء من تفسير الظاهرة بشكل قاطع، فإنهم أشاروا إلى احتمالية استعداد قطبي المغناطيس الأرضي للانقلاب. هذه البيانات – بحسب المجلة – أشارت إلى أن المعدل الطبيعي للتناقص في شدة المجال هي حوالي 5% كل قرن من الزمان، غير أنها حاليا تسارعت وأصبحت 50% كل قرن، أي عشرة أضعاف السرعة السابقة. وبهذا فقد تغيرت التوقعات من انقلاب في الأقطاب بعد حوالي 2000 سنة إلى توقعات تراه بات قريبا جدا. إن المعنى الحرفي لهذه الأرقام، وبناء على سبب المجال المغناطيسي المذكور أعلاه، أن سرعة دوران المعادن المنصهرة حول قلب الأرض صارت تتباطئ، ويفترض أن تتسارع في الاتجاه المعاكس؟ وعندما تسأل لماذا؟ فلا تجد إجابة شافية. هل لهذا الانقلاب أي دور في عكس الأرض لاتجاه دورانها؟ يعتقد المسلمون أن الأرض سوف تعكس اتجاه دورانها في يوم من الأيام كأحد علامات الساعة الكبرى حيث أنه بعد ذلك يغلق باب التوبة كما قال الله سبحانه وتعالى (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) والمقصود ببعض آيات ربك هو طلوع الشمس من مغربها كما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " . عند البخاري ومسلم. ولا شك بأن طلوع الشمس من مغربها لن يحصل إلا بأن تقوم الأرض بعكس اتجاه الدوران. فهل لانقلاب الأقطاب المغناطيسية أي أثر في هذا الجانب؟ الجواب المباشر هو لا وهو قول العلماء مستدلين على عدم وجود آثار تدل على ذلك من خلال تحليل الحياة السابقة تحت تأثير انقلابات سابقة. ومع أن كلامهم صحيح واستدلالهم – على الأقل بالمعايير العلمية المعاصرة – أيضا صحيح، فقد بينا أعلاه أن آخر انقلاب حصل قبل خلق آدم بفترة طويلة (أو على الأقل قبل هبوطه إلى الأرض) . وبهذا فقد كانت قديمة جدا، وحصلت عندما كانت الأرض بكرا! وقبل وجود بني آدم، ولكن الانقلاب القادم محفوف بمتغيرات أخرى كثيرة تجعله فريدا من نوعه. فمن جهة فإن هناك تغيرات أخرى جغرافية تتعلق بالأرض ومناخها، ومن جهة أخرى فإن متغيرات تتعلق بتوزيع كتلة الأرض لا يستهان بها قد حصلت فقد تم سحب كميات هائلة من النفط إلى خارج سطح الأرض، ومع أن الأبار الفارغة يعاد ملؤها بالماء إلا أن هذا بحد ذاته يصب في اتجاه إعادة توزيع الكتلة. والعبث البشري بالأرض طال أشياء كثيرة. ومن جهة ثالثة فأن الأحاديث النبوية تشير بوضوح إلى قرب نهاية الأرض الحتمية ونهاية العالم التي تتأكد بهذه الأية العظيمة كما أكدته الأيات المذكورة والأحاديث المؤيدة لها، والشواهد التي نعيشها اليوم – لو ربطناها بالنبوءات النبوية – فهي تؤيد قرب النهاية بشكل قطعي. الموضوع ببساطة، أنه بغض النظر عن سبب تغير اتجاه الأقطاب المغناطيسية للأرض، وبغض النظر عن علاقته بدوران الأرض، فإن تغيير اتجاه دوران الأرض – علميا – مستحيل أن يكون من داخل الأرض نفسها، على سبيل المثال: يستحيل على أي عدد من الأشخاص أن يسحبوا شاحنة وهم راكبين على ظهرها، إلا باستخدام مؤثر خارجي (خارج عن جسم الشاحنة). والأصل أن قانون نيوتن الأول (بقاء الجسم على ما هو عليه من سكون أو حركه حتى يؤثر عليه محصلة قوى خارجية) يجعل الأرض تحافظ على دورانها إلى الأبد وفي نفس الاتجاه. إذن ما هو ياترى هذا المؤثر الخارجي الذي يهدد الأرض بتغيير اتجاه دورانها؟ الجواب: لا أحد يعلم ذلك على وجه التحديد. السؤال العلمي المهم هو: لماذا تدور الأرض حول نفسها؟ ولماذا تدور الكواكب الأخرى حول نفسها؟ فأما دورانها حول الشمس بهذه الدقة فأمر قدره رب العالمين ولا غنى عنه لبقاء تلك الأجرام الفضائية بحالة انضباط وعدم حدوث فوضى. https://www.nasa.gov/topics/earth/features/2012-poleReversal.html https://www.scientificamerican.com/article/earth-s-magnetic-field-flip-could-happen-sooner-than-expected/
- البدء في بناء أكبر مفاعل اندماجي تجريبي في العالم
البدء في بناء أكبر مفاعل اندماجي تجريبي في العالم أ.د. ناصر بن صالح الزايد 22/8/2020 تعتمد كثير من دول العالم المتقدمة اليوم على محطات الطاقة النووية، فما هي تلك المحطات أو المفاعلات؟ وما الفرق بينها وبين المفاعل التجريبي الجديد الذي بدأت تتعاون على بنائه 35 دولة ويوجد في الجنوب الفرنسي؟ رأيت البدء في توضيح سريع للمفاعلات النووية (التقليدية!) حتى تتضح بضدها فكرة المفاعلات التي يجري البحث في إمكانية بنائها. تعتمد المفاعلات النووية الحالية على فكرة الانشطار النووي nuclear fission والتي تتم عندما يتم ضرب نواة ثقيلة مثل نواة اليورانيوم بواسطة نيوترون يؤدي إلى نواة مؤقتة غير مستقرة تتفكك سريعا إلى نوى أخف منها وتطلق نيوترونات إضافية، حيث تقوم هذه النيوترونات الناتجة بضرب أنوية أخرى مكررة العملية بشكل لا نهائي. عندما يستخدم كيلوغرام واحد من اليورانيوم في عمليات انشطار نووية ينتج عنه طاقة حرارية مقدارها: 72,000 تيرا جول أو 7.2x10¹³ جول. وللمقارنة فإن كيلو من الفحم عندما يحترق بالكامل ينتج 2.4x10⁷ جول من الطاقة الحرارية. إذن كيلو اليورانيوم يعادل 3,000,000 كيلو فحم وتكفي لغلي 171,000متر مكعب من الماء ابتداء من درجة الصفر، فهي إذن طاقة هائلة جدا، وتعول البشرية عليها كبديل حقيقي عن النفط. طبعا هذه الطاقة الحرارية يستفاد منها في تشغيل توربينات تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية. هناك مشاكل تعتور هذه المفاعلات وهي خطورتها لو خرجت عن السيطرة أو حصل لها عطب أو ربما تعرضت لهجوم من قبل عدو، حيث تؤدي إلى تلوث إشعاعي خطير قد يؤدي إلى دمار واسع النطاق وتستمر آثاره المدمرة لعدة سنوات بل لعدة عقود من الزمن. من حيث فكرة العمل، لا يعد المفاعل النووي أمرا صعبا، فهو يتم تلقائيا بمجرد بداية التفاعل، ولكن الجانب الصعب والخطير هو موضوع التحكم والسيطرة، حيث إن الانشطار النووي يطلق نيوترونات تكرر التفاعل مرة أخرى ولكن بعدد أكبر وهكذا إلى ان نصل إلى الانفجار النووي في غضون ثوان معدود، ما لم يتم التحكم والسيطرة بحيث يتم امتصاص النيوترونات الزائدة مع إمكانية إيقاف التفاعل في أي لحظة. الشكل التالي يوضح عملية الانشطار النووي: الاندماج النووي بالمقابل هو عكس العملية السابقة تماما حيث يقوم المفاعل النووي الاندماجي بدمج نواتين صغيرتين لكي تنتج نواة كبيرة هي مجموع النواتين + طاقة حرارية وهذا بالضبط هو ما يحصل في الشمس وما يحصل في النجوم أيضا، وهو ينتج طاقة نظيفة تماما بعيدا عن خطر الإشعاع المشار إليه أعلاه. في الشمس تندمج ذرات الهيدروجين (أو نظائره) مع بعضها مشكلة ذرات الهيليوم ومطلقة الطاقة الهائلة التي تشع لعشرات الملايين من الكيلومترات حول الشمس. ماهي الصعوبة في التفاعل الاندماجي؟ إن إرسال نيوترون باتجاه كتلة من اليورانيوم لبدء التفاعل النووي الانشطاري هو أمر سهل جدا، فالنيترونات يمكن الحصول عليها من مصادر مختلفة بكل سهولة، وبمجرد بداية الانشطار تقوم النيوترونات الناتجة بالدور تلقائيا، ولذلك فالتفاعل النووي الانشطاري، لا يحتاج إلى طاقة، بل هو يعطي الطاقة كاملة. بالمقابل، فالتفاعل النووي الاندماجي nuclear fusion مختلف تماما. تستطيع أن تضع ذرة ما (ذرة تريتيوم مثلا) بالقرب من ذرة أخرى (ديتيريوم مثلا) ولكن هذا لا يفيد شيئا. حتى نستفيد نحتاج أن نجعل الذرة الأولى والثانية تندمجان مع بعضهما لتصبحا ذرة أخرى أكبر منهما. ولكن عملية الدمج تحتاج لطاقة هائلة حتى تحصل بسبب التنافر القوي بين الذرتين كلما اقتربتا من بعض. هناك محاولات سابقة للعلماء للحصول على تفاعل نووي اندماجي بلغت حوالي 100محاولة منذ عام 1950، فشل معظمها وأعطى نتائج مخيبة، ولكن بعضها الآخر بدا واعدا بعض الشيء. مؤشر النجاح هو المعامل Q وهو يبدأ من الصفر ولا حد لقيمته العليا ولكن المستهدف هو أكبر من 10. حيث إن التفاعل الاندماجي يحتاج لطاقة حرارية لبدء التفاعل واستمراريته أيضا، كما أنه ينتج طاقة هي المقصودة من ورائه، لو قسمنا قيمة الطاقة الناتجة على قيمة الطاقة التي تقدم للمفاعل فنحصل على قيمة Q. منذ زمن طويل يبحث العلماء عن حد التعادل أي Q =1 ومعناها أنك تقدم مليون واط من الطاقة وتحصل على مليون واط من التفاعل. غير ان هذا الحد لم يكن سهلا. أعلى رقم تم الوصول إليه هو من مشروع (الحلقة الأوروبية المشتركة) Joint European Torus وسمي كذلك لأنه بشكل حلقة ويختصر اسمه JET ونسميه جيت، ومكانه بريطانيا. بدأ جيت بناؤه في العام 1983 وكانت أولى تجاربه في العام 1991، وتعرض للتطوير أكثر من مرة حتى وصلت ذروة أدائه في العام 1997 حيث وصل المعامل Q إلى 0.67 لأنهم قدموا له طاقة مقدارها 24 مليون واط وكان عطاؤه فقط 16 مليون واط، أي أنه غير مجد اقتصاديا. حتى ينجح هذا المفاعل، يلزم أن يعطي طاقة أعلى من الطاقة المدخلة حتى تعود تلك الطاقة وتحدث تفاعلا اندماجيا مرة أخرى وهكذا بدون توقف. وقد تم إغلاق هذا المشروع في العام 2011، مصحوبا بالكثير من الإحباط الذي أصاب العلماء الذين ضيعوا عدة عقود من المحاولات. إن كان البشر، وخاصة العلماء، لا يفقدون الأمل، ويعشقون التحدي ومواجهة الصعوبات، فإن هذا يظهر جليا في بزوغ نجم مشروع جديد على انقاض المشروع السابق تشارك فيه 35 دولة من الدول المهتمة، وحشد ضخم من العلماء والمهندسين لاستخدام التوكوماك tokamak (كلمة روسية تعني الجهاز الذي يعتمد على المجال المغناطيسي الهائل لاحتواء البلازما الحارة جدا ضمن فراغ بصورة حلقة). أطلق على هذا التوكوماك اسم: المفاعل الحراري-النووي الدولي التجريبي International Thermonuclear Experimental Reactor ويختصر اسمه (ايتر). وهو أكبر توكوماك دولي حتى تاريخه وقد بدأ بناؤه هذه الأيام في الجنوب الفرنسي. بحسب الخطة فسوف يتم دفع 500 ميجاواط من الطاقة الحرارية منها 50 ميجاواط يتم إدخالها في التوكوماك، ويؤمل ان تؤدي إلى تفاعل اندماجي نووي داخله ينتج عنه 500 ميجاواط من الطاقة الحرارية النظيفة التي سوف تطرد للخارج لأنه لم يصمم بعد لأنتاج الكهرباء. التمويل لهذا المشروع العملاق يتم من سبع جهات رئيسية: الاتحاد الأوروبي، الصين، الهند، اليابان، روسيا، كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، حيث يتوقع أن تتجاوز تكلفته 22 مليار يورو. نظريا، لو نجحت عملية إنشاء مفاعل اندماجي مستمر ذي طاقة أعلى مما يحتاج، فإن 1 كيلوجرام فقط من الهيدروجين أو نظائره تعادل من حيث الطاقة إلى أكثر من 11 ألف برميل من النفط، علما بأن نظائر الهيدروجين متوفرة بشكل كبير في مياه المحيطات. هناك ثلاثة شروط أساسية يتوجب توفرها حتى ينجح التفاعل الاندماجي. أولا: يتوجب توفير درجة حرارة عالية بين 150 و 200 مليون درجة مئوية، ثانيا: يلزم توفر كمية كافية من البلازما (ذرات نظائر الهيدروجين بعد نزع إلكتروناتها بسبب الحرارة العالية) حتى ترتفع احتمالية الاندماج، وأخيرا: إمكانية الاحتفاظ بهذه البلازما لوقت طويل لنفس الغرض. وكل هذه تحديات على أعلى مستوى يمكن تصوره. على سبيل المثال: درجة الحرارة المذكورة كافية لإذابة أي وعاء من أي مادة كانت فكيف يمكن توفير بلازما بهذه الدرجة الحرارية العالية دون أن تذوب جدران الوعاء الحاوي لها؟ ومن هنا جاءت أهمية التوكوماك، وهو عبارة عن حلقة تشبه لستك السيارة محاطة بالمغناطيسات القوية، ومفرغة بالكامل، ويتم الاحتفاظ بالبلازما في قلبها بعيدا عن الحيطان بواسطة المجال المغناطيسي. كون التوكوماك مفرغا بشكل كامل من الهواء فإن الحرارة لا تصل للجدران نفسها. هناك محاولات أخرى قادمة تدفع باتجاه الاندماج النووي كحل للطاقة، تدعمه قوى كثيرة في العالم بما فيها بعض مؤسسات القطاع الخاص، على سبيل المثال شركة لوكهيد مارتن الشهيرة، وشركة أمازون، ومايكروسوفت، وغيرهم الكثير لهم نوايا في الدخول في هذا المجال. إن الفكرة الأساسية للتفاعل النووي سواء كان انشطاريا أو اندماجيا، تعتمد على معادلة شهيرة وضعها أينشتاين وهي التي تنص على E = mc² ، حيث تمثل m الكتلة، والثابت c سرعة الضوء، وطبعا E هي الطاقة. وحتى نفهمها بشكل مبسط، كتلة نواة اليورانيوم أكبر من مجموع كتل الأنوية الناتجة من التفاعل، والسؤال: أين يذهب الفرق؟ إن الفرق يتحول إلى طاقة بحسب المعادلة المذكورة. تثبت هذه النتيجة صحة توقع أينشتاين في أن الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة.
- إإنتاج نبضات ليزرية فائقة الطاقة عند تراكيز عالية الدقة
إإنتاج نبضات ليزرية فائقة الطاقة عند تراكيز عالية الدقة أ.د. ناصر بن صالح الزايد 2 شوال 1442 nalzayed@ksu.edu.sa تحدثت في أكثر من مكان حول الجيل الجديد الواعد من الليزرات قصيرة العمر (فيتموثانية وأتوثانية) وأنها تبشر بعهد جديد من المكتشفات والتطبيقات، كما أنها تخدم مجالات علمية كانت بحاجة ماسة لهذا التطور مثل مجال (فيزياء الكهروديناميكا الكمية عند الحقول القوية (يهتم بتفاعل الفوتونات مع المادة)). في هذا المجال، تمكن علماء في معهد العلوم الأساس في كوريا الجنوبية من إنتاج ليزر طاقتها تفوق 1.1x10²³ W/cm² مركزة في نقطة نصف قطرها يبلغ 1 مايكرومتر، وذلك بعد 10 سنوات من البحث. وهذا الرقم يمثل 10 أضعاف الرقم السابق في 2004 من جامعة متشيقان، وتعادل 10 نبضات منه كامل الطاقة الشمسية الواصلة للأرض في اية لحظة !. طبعا هؤلاء العلماء لم يتدخلوا في إنتاج الليزر بل استخدموا مصادر متوفرة ولكن كان تركيزهم على فكرة تجميع الأشعة وتركيزها في حيز ضيق. يبشر هذا الاكتشاف بمزيد من اختبارات تفاعلات الضوء مع المادة. على سبيل المثال ربما تساعد على فهم لغز بعض الأشعة الكونية التي لديها طاقات عالية تفوق 10¹⁵eV وهي تصل إلى الأرض من مسافات بعيدة وراء المجرة. سوف تمكن هذه الليزر العلماء من فهم تفاعلات الفوتون-فوتون ('ᵞ-ᵞ) والفوتون-إلكترون (⁻ᵞ-e) وبالتالي فحص بعض الأطروحات النظرية في هذا المجال. تم استخدام نظام ليزري فيتموثانوي لهذا الغرض حيث يتم إنتاج نبضة ليزرية تستمر فقط لفترة 20 فيمتوثانية (الفيمتو ثانية = 1 مقسوما على الف ترليون من الثانية) ولكنها مركزة في مساحة متناهية في الصغر (1 مايكرومتر مربع)، وحتى تتخيل مقدار الطاقة الهائلة التي تحملها هذه النبضة، فهي تعادل 1000 ضعف جميع الطاقة الكهربائية المنتجة على وجه الأرض (بالواط)! أو كما سبق (عشر الطاقة الشمسية الواصلة للأرض في نفس اللحظة الزمنية)، حيث تم استخدام نظام تجميع بصري مطور لهذا الغرض يسمح بإنتاج موجات ليزرية حادة جدا ويتم التحكم بها بدقة فائقة مكنتهم من تجميع أشعة ليزرية تتوزع أساسا على 28 سم² لكي تصبح مركزة في 1 مايكرومتر² فقط فصارت كثافة الطاقة الناتجة تفوق 1.1x10²³ W/cm² . هذه الطاقة العالية سمحت للفريق البحثي من إنتاج إلكترونات تفوق طاقتها 1 GeV ويتم فيها تصادم بين الألكترونات وأعداد كبيرة من الفوتونات في نفس الوقت. تسمى هذه العملية علميا: تشتت كومبتون غير الخطي Nonlinear Compton Scattering وعند هذه الطاقات يمكن لتشتت كومبتون أن ينتج أعدادا مكثفة من أشعة جاما تعود لكي تستخدم فيما يسمى Breit–Wheeler pair production (تصادم فوتونين ينتج عنه إلكترون وبوزيترون ᵞᵞ'⟶e-e ) ويعتقد بأنها تقع وراء إنتاج الأشعة الكونية فائقة الطاقة المشار إليها سابقا. ملاحظة أولى: كيف يتم ضغط هذه الأعداد الكثيفة من الفوتونات في خط رفيع سمكه لا يتجاوز الميكرون الواحد؟ طبعا إذا كان المقصود هو كيف تم تجميعها؟ فببساطة تم استخدام مرايا خاصة تجمعها مثل ما يتم تجميع اشعة الشمس تماما عن طريق المرايا أو العدسات. وأما إذا كان المقصود هو ما هو المبدأ الفيزيائي الذي سمح لها بالتراص بهذا الشكل؟ فالسبب يعود لكونها بوزونات، والبوزونات مسموح لأي عدد منها أن تتجمع في نفس المستوى الكمي للطاقة، ولا تخضع لقاعدة باولي للاستبعاد. لا يمكن عمل نفس الشيء مع الإلكترونات مثلا لأنها فرميونات وتخضع لنظام فرمري-ديراك الإحصائي وتخضع لمبدأ باولي للاستبعاد، فلا يمكن جمع أعداد كبيرة منها في نفس مستوى الطاقة. ملاحظة أخرى: ما ذا يعني لنا Breit–Wheeler pair production (تصادم فوتونين ينتج عنه إلكترون وبوزيترون )؟ إنه ببساطة تحويل للطاقة المجردة (فوتونات) إلى مادة بصورة زوج إلكترون + بوزيترون (إلكترون بشحنة موجبة) إذن طاقة بحتة أعطت أجساما لها كتل يمكن قياسها!. إذن عندما استخدم أينشتاين علاقته الشهيرة E=mc² والتي تربط بين المادة والطاقة فهي لم تكن علاقة نظرية مجردة، بل وافقتها التجارب العلمية كما في هذه التجربة وسابقاتها. ملاحظة أخيرة: بسبب الكثافة الهائلة للفوتونات في أشعة الليزر المذكورة، فقد تم استخدام الفوتونات لأغراض أبعد ما تتوقع؟ يمكن استخدامها لتسريع البروتونات بسبب التصادم المتكرر فهي تمثل ضغط الهواء المكثف على الحيطان أو على الأجسام فيدفعها للحركة والتسارع. المرجع الأساسي هو الورقة العلمية التالية: https://www.osapublishing.org/optica/fulltext.cfm?uri=optica-8-5-630&id=450828












