top of page

جدار مجري ضخم على مرمى 500 سنة ضوئية فقط من الأرض

  • ناصر الزايد
  • 4 نوفمبر 2022
  • 3 دقائق قراءة

جدار مجري ضخم على مرمى 500 سنة ضوئية فقط من الأرض

أ.د. ناصر بن صالح الزايد

قد يبدو الكون عبارة عن أشلاء متناثرة من المكونات مبعثرة كيفما اتفق. غير أن هذا التصور غير صحيح، حيث تثبت البحوث العلمية المتخصصة في الكونيات أننا كلما دققنا النظر وتمكنا أكثر وأكثر من رسم الصورة المكبرة، كلما اكتشفنا مجاميع كبيرة من تشكلات ضخمة من المجرات التي تشكل في النهاية بناء واحدا مترابطا بقوى الجذب العام.


وكأحد هذه الكشوفات، فقد كشف الستار أخيرا (منتصف شهر يوليو – 2020) من قبل عدد من العلماء، دانييل بوماريدي ( DanielPomarède) من جامعة باريس ساكلي بالتعاون مع ريتشارد تولي (R. Brent Tully) وفريقه من جامعة هاوايي، كشفوا عن تجمع ضخم من المجرات يشكل بناء متماسكا عرضه يقدر بـ 1.37 مليار سنة ضوئية، وسمكه يقدر بـ 600 مليون سنة ضوئية، ولا يبعد عن الأرض إلا مسافة تقدر بـ 500 سنة ضوئية. أطلق هؤلاء العلماء على هذا التشكيل المجري الضخم اسم: جدار القطب الجنوبي South Pole Wall . ويعد هذا التشكيل من أكبر ما تم رصده في الكون حتى هذه اللحظة. ولا غرابة أن يتم الاكتشاف متأخرا بهذه الصورة، فالعلماء يعتقدون بأن أغلب مادة الكون غير معروفة حتى الآن، أي أن ما يقرب من 85% من مادة الكون غير معروفه فأطلقوا عليها المادة السوداء (غير قابلة للرصد).

ربما يرد للذهن سؤال عن سبب التسمية؟ فالجدار عادة يفصل الخارج عن الداخل، وكذلك – بحسب رأي هؤلاء العلماء – فجدار القطب الجنوبي يفصل الفراغات الكونية الشاسعة التي وراءه عن ما دونه. وهذا الجدار ليس هو الأول ولا هو الأكبر أيضا، فهناك جدران (تشكيلات بنوية ضخمة) أخرى سبق اكتشافها منها على سبيل المثال جدار GRB العملاق والذي يقدر اتساعه بحوالي 10 مليارات من السنوات الضوئية، غير أن هذا الجدار الأخير تقع أهميته بكونه قريبا جدا من مجرتنا، ولذلك فقد استغرب الكثيرون كيف لم يكتشف إلا حديثا مع أنه قريب بهذا الشكل؟ فهو في الحقيقة جزء من منظومة المجرات التي مجرتنا واحدة منها.

أجاب العلماء على هذا السؤال بأن هذا الجدار يقع ضمن ما يمكن أن نطلق عليه المنطقة المعتمة (Zone of Galactic Obscuration)، أي منطقة تتحاشى أجهزة الرصد ابتداء مراقبتها كونها متداخلة مع كثير من الغبار الكوني والتكتلات الغازية والعدد الضخم من النجوم اللامعة مما يجعل التمييز – ربما – صعبا. ولنختصر الفكرة بأسلوب أسهل: لم يكن أحد يتوقع أن هناك تشكيلات بنوية بهذه الضخامة وعلى هذا القرب من مجرتنا، فلم يعمد ابتداء لمراقبة ذلك.

ولذلك فيرد سؤال آخر: إذن كيف تم اكتشاف هذا الجدار؟ والإجابة في أن العلماء المشار إليهم كانوا يتفحصون قاعدة بيانات خاصة بالمجرات (تحتوي معلومات تتعلق بأكثر من 18 الف مجرة) تحتوي على معلومات تتعلق بالمسافات والسرعات النسبية تم تسجيلها بناء على طريقة الانزياح الطيفي الأحمر كمؤشر على التحرك والسرعة. مكنت هذه القاعدة البيانية العلماء من تقدير السرعات النسبية للمجرات نسبة إلى بعضها بعضا، ما أظهر افتراض وجود قوة كونية مؤثرة في الخلفية (أو قل كتلة كونية مؤثرة غير هذه المجرات المقصودة) تؤدي بناء على معايير قوى الجذب الكوني إلى المشاركة في الحركات المشار إليها. وبناء على ذلك فقد لجأ العلماء إلى نماذج رياضية تحدد معالم هذا التشكيل البنيوي المفترض، من قياس أبعاد تأثيره من خلال متغيري المسافة والسرعة، مما مكنهم من رسم صورة واضحة لأبعاد هذا المكون الكوني الذي أطلقوا عليه جدار القطب الجنوبي.

تستطيع أن تتخيل هذا الجدار بكونه قطعة من قشرة الحبحب بحيث يكون مركزه على مسافة تقترب من 500 مليون سنة ضوئية عن الأرض، في حين أن أطرافه تقع في حدود 300 مليون سنة فقط. تتحرك المجرات بحذاء حافة القشر مقتربة من المركز (الجنوبي) ذو الكثافة الأكبر حيث تقترب من تأثير مجموعة مجرية أخرى تسمى (شابلي سوبر كلاستر) على بعد 650 مليون سنة ضوئية.

حتى أبسط الصورة التي من خلالها تم اكتشاف هذا العملاق الكوني سأعطي مثالا بسيطا يمكن فهمه:

تخيل أن لديك بندولا مربوطا بحبل طويل مثبت في سقف الغرفة، والبندول عبارة ن كرة صغيرة من الفولاذ. ثم أطلقت هذا البندول، وقمت بقياس الزمن الدوري. غير أن قياساتك اختلفت عن الحسابات المفترضة؟ فصرت تتأمل؟ هل العلاقات الرياضية خاطئة؟ مستحيل! إذن ماذا يجري؟ وصرت تفتش عن الحل حتى اكتشفت وجود مغناطيس قوي موجود في الغرفة في مسار البندول مغطى تحت قطعة من القماش، وكلما مرت كرة البندول بالقرب منه تأثرت بقوته، مما سبب إرباكا في الزمن الدوري. باختصار الخطأ التجريبي في قياساتك جعلك تفكر في السبب الذي قادك لاكتشاف قوة مخفية لم تكن تأخذها في الحسبان.

وهذا بالضبط ما فعله العلماء الذين اكتشفوا فوارق في سرعات المجرات المعنية، افترضوا على أساسها وجود قوة مؤثرة بالمواصفات والأبعاد التي ذكرنا من أجل تصحيح قياسات السرعات والمسافات.



المراجع:

1. الورقة العلمية المنشورة: https://iopscience.iop.org/article/10.3847/1538-4357/ab9952

2. الخبر في صحيفة ديلي ستار البريطانية: https://www.dailystar.co.uk/news/latest-news/massive-wall-galaxies-not-distant-22366294

Comments


  • Twitter
  • YouTube

©2022 by الموقع الشخصي: ناصر بن صالح الزايد

bottom of page