هل المجال المغناطيسي للأرض على وشك الانقلاب
- ناصر الزايد
- 4 نوفمبر 2022
- 4 دقائق قراءة
هل المجال المغناطيسي للأرض على وشك الانقلاب
أ.د. ناصر بن صالح الزايد
nalzayed@gmail.com
قبل الدخول في الموضوع يتوجب علينا أن نشترك في الخلفية العلمية للموضوع. لهذا دعونا نتعرف أولا على المواضيع التالية:
ما هو المجال المغناطيسي الأرضي؟

كما في الشكل المجاور، المجال المغناطيسي الأرضي هو عبارة عن غلاف من خطوط المجال المغناطيسي يغطي الأرض بما يشبه الزلال في البيض إلا أنه غير مرئي بالعين المجردة، وكثافته تقل كلما ابتعدنا عن الأرض. هذا المجال هو المسؤول عن حماية الأرض ضد الإشعاعات الكونية الضارة الصادرة من الشمس على وجه الخصوص بسبب قربها. لولا عناية الله بهذه الأرض وتغليفها بهذا المجال، إضافة للغلاف الجوي بطبيعة الحال، لربما مات كل شيء على ظهرها بسبب هذه الإشعاعات المشحونة، ولربما حتى الغلاف الجوي نفسه تلاشى مع مرور الزمن بسبب التفاعل بين جزيئاته والجسيمات الكونية ذات الطاقات العالية. وصدق الله إذ يقول (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون). فعندما تصل تلك الجسيمات المشحونة باتجاه الأرض فأن مسارها يبدأ بالانحناء التدريجي بسبب المجال المغناطيسي حتى تنحرف أخيرا باتجاه الفضاء الخارجي وتعود إليه ولا تصل إلى الأرض.
لماذا يحصل المجال المغناطيسي الأرضي؟

يوجد في قلب الأرض معادن حارة ومنصهرة أهمها الحديد والنيكل تحيط بنواة الأرض الحديدية الصلبة، وبالتالي فهي تلتوي بسبب لف الأرض حول نفسها وتدور حول تلك النواة مما يحدث تيارات كهربائية، تحدث بدورها المجال المغناطيسي للأرض. وحاليا القطب الشمالي لهذا المغناطيس هو باتجاه الشمال الجغرافي للأرض تقريبا، والخطوط تتجه من القطب الجنوبي للشمالي. وهذا مما يجعل الأجسام المشحونه التي سبق ذكرها تتحرك باتجاه القطب الشمالي أو الجنوبي متحركة على طول تلك الخطوط وتتركز هناك، مما يشكل ظاهرة معروفة في القطبين هي ظاهرة (الشفق القطبي) ويسمى أيضا بالفجر القطبي. الجسيمات المذكورة تشع ضوءا مرئيا بألوان مختلفة عندما تتسارع في منطقة القطبين في ظل وجود مجال مغناطيسي، كما أن عملية التأيين والإثارة التي تسببها للوسط المحيط تشارك أيضا في هذا الضوء اللامع.
هل حصلت انقلابات مغناطيسية في السابق؟
بحسب بعض العلماء فإن هناك انقلابات حصلت في السابق وكان آخرها قبل حوالي 780,000 عام، وهو قديم جدا كما تلاحظ وحصل قبل خلق آدم بفترة طويلة جدا. والشواهد التي استخدمها العلماء للتدليل على حصوله هي من مصدرين تقريبا: الأول من اللافا السائلة التي نتجت من البراكين وغيرها عندما تترسب في قاع المحيط، فأنها ترتب نفسها أثناء التجمد بما يتناسب مع اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي في وقت الترسب (حصول التمغنط من مجال الأرض)، وهي بذلك تحتفظ ببصمة أو سجل عن هذا المجال، تماما مثل ما يقوم الشريط الممغنط بتسجيل الصوت، أو تخيل تساقط الطين في أثناء هبوب رياح قوية وتصلبه فهو يحافظ على شكله مع بصمة تدل على اتجاه الرياح أثناء تصلبه. وأما المصدر الثاني فهو الأحافير التي تتراكم في أعماق المحيطات، فهي الأخرى تحتفظ بسجلات عن طبيعة واتجاهات المجال الأرضي في وقت ترسبها.
ماذا عن الانقلاب القادم؟
بحسب مقالة علمية صدرت في مجلة ساينتفك أمريكان في منتصف عام 2014 م، اعتمدت على بيانات صدرت من أقمار سوارم الأوروبية (وتعني السرب وعددها ثلاثة أقمار صناعية) متخصصة في دراسات المجال المغناطيسي الأرضي باستخدام أجهزة علمية دقيقة ومتطورة، فإن شدة المجال المغناطيسي الأرضي في النصف الغربي من الكرة الأرضية صار يضعف بشكل أسرع من المتوقع بشكل كبير، في حين أن شدته في مناطق في النصف الآخر، على سبيل المثال فوق المحيط الهندي تزداد قوة. وفي الوقت الذي لم يتمكن العلماء من تفسير الظاهرة بشكل قاطع، فإنهم أشاروا إلى احتمالية استعداد قطبي المغناطيس الأرضي للانقلاب. هذه البيانات – بحسب المجلة – أشارت إلى أن المعدل الطبيعي للتناقص في شدة المجال هي حوالي 5% كل قرن من الزمان، غير أنها حاليا تسارعت وأصبحت 50% كل قرن، أي عشرة أضعاف السرعة السابقة. وبهذا فقد تغيرت التوقعات من انقلاب في الأقطاب بعد حوالي 2000 سنة إلى توقعات تراه بات قريبا جدا. إن المعنى الحرفي لهذه الأرقام، وبناء على سبب المجال المغناطيسي المذكور أعلاه، أن سرعة دوران المعادن المنصهرة حول قلب الأرض صارت تتباطئ، ويفترض أن تتسارع في الاتجاه المعاكس؟ وعندما تسأل لماذا؟ فلا تجد إجابة شافية.
هل لهذا الانقلاب أي دور في عكس الأرض لاتجاه دورانها؟
يعتقد المسلمون أن الأرض سوف تعكس اتجاه دورانها في يوم من الأيام كأحد علامات الساعة الكبرى حيث أنه بعد ذلك يغلق باب التوبة كما قال الله سبحانه وتعالى (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) والمقصود ببعض آيات ربك هو طلوع الشمس من مغربها كما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " . عند البخاري ومسلم.
ولا شك بأن طلوع الشمس من مغربها لن يحصل إلا بأن تقوم الأرض بعكس اتجاه الدوران. فهل لانقلاب الأقطاب المغناطيسية أي أثر في هذا الجانب؟
الجواب المباشر هو لا وهو قول العلماء مستدلين على عدم وجود آثار تدل على ذلك من خلال تحليل الحياة السابقة تحت تأثير انقلابات سابقة. ومع أن كلامهم صحيح واستدلالهم – على الأقل بالمعايير العلمية المعاصرة – أيضا صحيح، فقد بينا أعلاه أن آخر انقلاب حصل قبل خلق آدم بفترة طويلة (أو على الأقل قبل هبوطه إلى الأرض) . وبهذا فقد كانت قديمة جدا، وحصلت عندما كانت الأرض بكرا! وقبل وجود بني آدم، ولكن الانقلاب القادم محفوف بمتغيرات أخرى كثيرة تجعله فريدا من نوعه. فمن جهة فإن هناك تغيرات أخرى جغرافية تتعلق بالأرض ومناخها، ومن جهة أخرى فإن متغيرات تتعلق بتوزيع كتلة الأرض لا يستهان بها قد حصلت فقد تم سحب كميات هائلة من النفط إلى خارج سطح الأرض، ومع أن الأبار الفارغة يعاد ملؤها بالماء إلا أن هذا بحد ذاته يصب في اتجاه إعادة توزيع الكتلة. والعبث البشري بالأرض طال أشياء كثيرة. ومن جهة ثالثة فأن الأحاديث النبوية تشير بوضوح إلى قرب نهاية الأرض الحتمية ونهاية العالم التي تتأكد بهذه الأية العظيمة كما أكدته الأيات المذكورة والأحاديث المؤيدة لها، والشواهد التي نعيشها اليوم – لو ربطناها بالنبوءات النبوية – فهي تؤيد قرب النهاية بشكل قطعي.
الموضوع ببساطة، أنه بغض النظر عن سبب تغير اتجاه الأقطاب المغناطيسية للأرض، وبغض النظر عن علاقته بدوران الأرض، فإن تغيير اتجاه دوران الأرض – علميا – مستحيل أن يكون من داخل الأرض نفسها، على سبيل المثال: يستحيل على أي عدد من الأشخاص أن يسحبوا شاحنة وهم راكبين على ظهرها، إلا باستخدام مؤثر خارجي (خارج عن جسم الشاحنة). والأصل أن قانون نيوتن الأول (بقاء الجسم على ما هو عليه من سكون أو حركه حتى يؤثر عليه محصلة قوى خارجية) يجعل الأرض تحافظ على دورانها إلى الأبد وفي نفس الاتجاه. إذن ما هو ياترى هذا المؤثر الخارجي الذي يهدد الأرض بتغيير اتجاه دورانها؟ الجواب: لا أحد يعلم ذلك على وجه التحديد.
السؤال العلمي المهم هو: لماذا تدور الأرض حول نفسها؟ ولماذا تدور الكواكب الأخرى حول نفسها؟ فأما دورانها حول الشمس بهذه الدقة فأمر قدره رب العالمين ولا غنى عنه لبقاء تلك الأجرام الفضائية بحالة انضباط وعدم حدوث فوضى.
Commentaires