ما لم يدركه الملحدون: الإيمان بالغيب
- ناصر الزايد
- 4 نوفمبر 2022
- 8 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 5 نوفمبر 2022
ما لم يدركه الملحدون: الإيمان بالغيب
أ.د. ناصر بن صالح الزايد
رمضان 1442
سوف أتعرض لمشكلة في الرد على الملحدين لم أجد أحدا تطرق لها من قبل، وهي أولا وآخرا، توضيح لدحض حجتهم في مسألة إثبات وجود الله.
يقول الفيزيائي الأمريكي البرفسور لورنس كراوس عند معرض حديثه عن الأديان: إنه لا يوجد دليل على وجود الله There is no Evidence . وقال مثله ريتشار دوكنز في أكثر من مناسبه. وقبلهما قال قوم هود (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين). ولو تتأمل لوجدت أن الحجة هي نفسها منذ الأزل. لقد عجز هؤلاء الخاسرون عن إدراك أهم سر في الوجود ينجيهم من عذاب الله، إنه الإيمان بالغيب.
عندما أرسل الله – سبحانه - الأنبياء نبيا تلو نبي، (ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه). كان لدى هؤلاء الرسل رسالة مكونة من شقين: الشق الأول (الإسلام) والشق الثاني (الإيمان). فأما الإسلام فهو بحسب تعريفه الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة، فيشمل العبادات مثل الصلاة والصوم والصدقة والحج، وهي أعمال بالجوارح، ويختلف هذا الشق من رسول إلى رسول، فمثلا كان يسمح لقوم رسول بالصيام عن كل شيء إلا الماء، ومنع أتباع محمد (ص) حتى عن الماء أثناء الصيام، وكان أتباع موسى يصلون خمسين صلاة فخفضت لأتباع محمد إلى خمس صلوات. فهذا الجانب (الإسلام) هو عمل الجوارح الاختياري، ويسمى كذلك: الشريعة. وهناك قسم آخر وهو إسلام الجوارح غير الاختياري، بمعنى أن الجوارح لا تخرج عن قوانين الله التي أودعها الخلق، فالمرء لا يمكنه تحدي قانون النوم ويترك النوم، ولا يمكنه إيقاف رئتيه عن التنفس، ولا يمكن إيقاف قلبه، فهذه الجوارح تعبد الله وتسلم له كرها وليس طوعا. يقول الله – سبحانه – (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال). لا يوجد بالكون من يعصي الله إلا أصحاب الإرادة، ومنهم الجن والإنس فهؤلاء يعصون الله في الجانب الاختياري غير أنهم مسلمين بالقدر الكوني في جانبهم اللا إرادي.
لا قيمة لأي من الإسلامين الطوعي الأرادي وغير الطوعي أي الكرهي عند الله يوم القيامة، ولو بلغت ما بلغت، إلا بالروح التي تعطيها الحياة وتجعل لها معنى وقيمة، إنه الشق الآخر من رسالة الرسل، الإيمان بالغيب، أو باختصار الإيمان. كل ما يقصد بالإيمان فهو يراد به إيمان بغيب: الإيمان بالله، والجنة، والنار، والملائكة، والقدر، كلها غيبيات، وبدون الإيمان بها والتصديق فلا قيمة لأي عمل آخر. لقد امتدح الله – تعالى – المؤمنين في أول سورة البقرة عندما قال: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب).
مشكلة لورنس كراوس ومعه بقية الملحدين، أنهم لم يدركوا معنى الإيمان؟ عندما يقول: نريد دليلا أو بينة فهو سينقل القضية من الإيمان إلى اليقين المتأكد ، أو من الغيب إلى الشهادة. عندما يقول شخص تثق به إن حدثا ما سيقع غدا، فتصدقه، يكون لتصديقك قيمة ومعنى لأنها تحمل الثقة المطلقة بكلامه (إيمان)، أما عندما يقع الحدث فلا قيمة لذلك التصديق. كيف تريد أن تكافئ إنسانا عندما يؤمن بأمر وقع بالفعل؟ إنما الثواب والجزاء والمكافأة مقابل الإيمان بأمر لم تره بعد، لأنه يحمل معنى الثقة والتصديق، وهي لا تكون إلا فيمن تعتقد أنه يستحق تلك الثقة وذلك التصديق. وقد لا يقع الحدث في حياتك، فأنت تصدقه وتؤمن به حق الإيمان (لا ريب فيه)، وبذلك تستحق الجزاء. أما عندما تراه بعينيك فما قيمة إيمانك؟
أمر هؤلاء الملحدين عجيب جدا، هم لم يعرفوا أن قضية الأنبياء مع قومهم كانت في ذلك الجانب على وجه الخصوص، الإيمان بالله غيبيا، ويتبعه الإيمان بصفاته وأسمائه وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وعندما طلب قوم هود من نبيهم بينة، كان طلبهم غاية في الجهل، إذ لو جاءت البينة لانتفى الإيمان حيث تحول الأمر إلى حقيقة واقعة.
لنتأمل في حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول فيما رواه عتبة بن غزوان رضي الله عنه: إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم، قالوا، يا نبيَّ اللهِ أو منهم؟ قال، بل منْكم. الألباني (ت ١٤٢)، السلسلة الصحيحة ٤٩٤ ، إسناده صحيح (الباحث الحديثي)
ويؤيده: عن حبيب بن سباع أبي جمعة قال: كنّا مع رسولِ اللَّهِ ﷺ ومعنا معاذُ بنُ جبلٍ عاشرِ عشرةٍ قالَ قلتُ يا رسولَ اللَّهِ هل أحدٌ أعظمُ منّا أجرًا آمنّا بِكَ واتَّبعناك قالَ وما يمنعُكم مِن ذلِكَ والوحيُ ينزِلُ عليكُم وأنا بينَ أظهرِكم بلى قومٌ يأتونَ من بعدِكم يجدونَ كتابًا بينَ لوحينِ يؤمِنون بهِ ويعملونَ بما فيهِ [ويؤمِنونَ بي ولم يَرَوني، ويصدِّقونَ بما جِئتُ بِهِ ويعمَلونَ بِهِ] أولئكَ أعظمُ منكُم. ابن عبد البر (ت ٤٦٤)، الاستذكار ١/٢٢٩ ، رجاله ثقات، [ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢)، الأمالي المطلقة ٤٢، إسناده حسن]. (الباحث الحديثي)
تبين هذه الأحاديث أهمية الإيمان بالغيب وأنه يعطي مزية إضافية لمن يؤمن، فمن يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره أعظم إيمانا (في هذه الجزئية) ممن آمن به وهو يراه ويرى معجزاته أمام عينيه.
إنما هؤلاء الملاحدة يريدون تجربة تشبك فيها الأسلاك في المعمل وتربط بالأسلوسكوب حيث يظهر الله (جل شأنه) على الشاشة أو تظهر بينة واضحة ودليل قطعي. عند ذلك نقول لهم: هذا ليس إيمانا، فكل إنسان يصدق بما يراه أمامه. كيف تستحق الجنة إذن؟ فالجنة أمر غيبي وثمنها أن تؤمن بالغيب وتصدقه بدرجة لا تشوبها شائبة، فحتى الريب والشك يبطل الإيمان.
ومما يؤيد ذلك ويوضحه انعدام قيمة الإيمان عند ظهور الآيات القطعية، ومنها نزول الملائكة أو طلوع الشمس من مغربها، فقد اشار القرآن في آية 158 من سورة الأنعام:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ)
وقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22)
فعندما يرون الملائكة عيانا فلا قيمة للإيمان، ويقول الله لهم: عندما ترون الملائكة عيانا فلا بشرى لكم، لأن ذلك يوم الجزاء وليس يوم العمل. وعندما تطلع الشمس من مغربها (بعض آيات ربك) كما فسرتها السنة، فلا قيمة للإيمان عند ذلك (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمن من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا).
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فإذا طَلَعَتْ ورَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ، وذلكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ. البخاري رقم: 4636 . (الدرر السنية)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، والدَّجَّالُ، ودابَّةُ الأرْضِ". مسلم رقم: 158 (الدرر السنية)
فهذه آيات إذا خرجت ورآها الناس بأعينهم كانت دليلا قاطعا لا يقبل معه إيمان، لأن من شروط الإيمان أن يكون بالغيب.
طلوع الشمس من مغربها لن يكون حتى ينعكس دوران الأرض وتصبح تدور بالاتجاه الآخر بحيث تشرق الشمس من جهة الغرب، فيدهش الناس ويعلموا بأن الكون قد تغير بصورة لا تقبل التراجع، وأن أحوال يوم القيامة قد بدأت، وظهرت علامة لا يمكن معها الشك، فيأتي وقتها الإيمان، ولكن الأمر متأخر جدا، فلا أهمية ولا قيمة لذلك الإيمان. ظهور الشمس من المغرب، علامة على بداية كون آخر، وعالم آخر بقوانين مختلفة، لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء المعروفة، ولا يخضع لأي علم سابق للبشر، فهي بذلك تؤذن بفتح صفحة جديدة، نهايتها عالم الآخرة الزاخر بالآيات الربانية، ففيه المؤمنون يرون ربهم ويرون الملائكة، ويرون الجنة والنار. وأما الكفار فيرون الملائكة (ملائكة العذاب) ولكن لا يرون الله، فهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، فلا يستحقون شرف مشاهدة الخالق سبحانه. ولإن كانت مشاهدته سبحانه أعظم أمنية يتمناها إنسان، وأعظم لذة يمكن تصورها، فإن الحرمان من ذلك يعد أعظم عذاب للطرف الآخر.
هذا كلام لا يحتاج إلى تجربة وبينة، بل يحتاج للهداية، والهداية قلبية وليست عقلية ولا مختبرية. فمن اهتدى وانصاع قلبه وقبل بالحق، أنار الله له بصيرته فصارت تلك الأمور كأنها أمامه يراها بقلبه ويصدقها بفؤاده، ويتقبلها من مصدرها إما القرآن أو السنة . ولذلك لا يعرف أن الفلاسفة وفقوا في الوصول إلى هذه الحقائق منذ القدم، حيث يقول أحد أكابرهم (الرازي) يا ليتني أموت على مثل دين العجائز!
وحتى لو توصل الفيلسوف بعد طول عناء إلى إثبات وجود الخالق! فآمن به، فما قيمة ذلك؟ هل ستقوده فلسفته إلى صفات الله وأسمائه؟ هل ستعرفه بالملائكة والقدر خيره وشره؟ وتعرفه بالرسل السابقين؟ هل ستوصله إلى حقيقة الجنة والنار وعذاب القبر ونعيمه؟ لقد كان أقوام الأنبياء يؤمنون بالله غير أنهم يشركون به، فلم ينفعهم مجرد إيمانهم بالله.
وبالمناسبة فيكرر البرفسور كراوس بأنك لا تحتاج إلى دين حتى تصدق بالتجارب المعملية، وأنه يمكنك أن تدخل المعمل بلا عقيدة سابقة وسوف تحصل على نفس النتيجة، وهذا كلام صحيح فالإيمان بالله أو عدمه لا يؤثر على نتائج وأرقام التجربة، وهذا موضوع يخلط بين قضيتين مختلفتين: إن الإيمان بالله هو شرط للنجاة من عذابه، وليس شرطا في الحصول على نتائج تجريبية صحيحة. لأن الدنيا عالم خاص بنا نحن البشر، والله يحضنا على اكتشافها والتعرف عليها (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة). أما الآخرة فعالم مختلف.
من المهم أن نؤكد بأن الإيمان بالغيب ومنه الإيمان بالله هو أمر لا يقبل مجرد الشك، فهو أمر لا ريب فيه، والله تعالى لا يقبل إلا التوحيد الخالص (ألا لله الدين الخالص). وقد كرر القرآن في أكثر من موضع التحذير من تصرف الشاكين (وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) (إنهم كانوا في شك مريب) (وإنهم لفي شك منه مريب) (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب). ولهذا يكثر في نقاشات الملحدين أن نسمع من يقول: لم لا تؤمن من باب الاحتياط! وهذا غاية في الجهل، فالله لا يقبل مثل هذا التلاعب، بل لابد من إيمان جازم حاسم واضح لا ريب فيه ولا شك، ويتحمل المرء في سبيله كل التبعات ويرخص من أجله كل غال ونفيس. ويجب أن لا نخلط هذا مع ما يحصل من الضعف مقابل أداء العبادات أو مقابل الشهوات، والتقصير الذي يقع فيه العباد في هذه النواحي، فهذا أمر يختلف عن عمل القلب وهو الإيمان، فالمسألة إما أن تؤمن أو لا تؤمن، وعندما تشك، أو ترتاب فيحسب عدم إيمان. وأعتقد بخطأ الفلاسفة عندما يبدؤون بالشك للوصول إلى اليقين، فهذا قد ينفع في بعض القضايا العلمية، لكنه لا ينفع في جانب الإيمان بالله، فالله قد أرسل الرسل وأنزل الكتب لكي يهدي الناس إلى الصراط المستقيم ويبعد عنهم هذا الشك، وقد ربط العذاب بوصول الرسالة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
باختصار شديد، الملحدون، يطلبون دليلا (عينيا) على وجود الله، ولو جاء الدليل (العيني) لانعدمت أهمية الإيمان، ولما صارت له أية قيمة. الإيمان بالله هو إيمان بالغيب، مع وجود دلائل كثيرة في الحياة لمن تأمل على وجود الخالق وعلى حكمته، ودقة صنعه، لكنها تحتاج إلى تحول القلب وقناعته، وهو المقصود بالإيمان. يقول تعالى (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم). لقد خضعوا لأوامر الإسلام بجوارحهم، ولكن قلوبهم لم تخضع بعد، ولم تصدق.
وهناك سؤال كبير مطروح على الساحة: ما أسباب انتشار الإلحاد؟ والحق أنه موجود منذ القدم، ولكن صوره تختلف. وأما سببه الجوهري فهو المذكور في قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)) (الفجر). ولإن كان الطغيان شيئا واحدا، فإن الاستغناء له صور متعددة، فالمال يطغي وكذلك العلم يطغي ويضاف لها أية أسباب من أسباب القوة مثل السلطة. فالإنسان بطبعه عندما يشعر بالقوة سواء كانت مالية أم علمية أو سلطوية فإنه يجنح للشعور بالاستغناء عن الإيمان بخالق (يطغى). ولو تأملنا في طغيان السابقين لوجدناه كذلك، فطغيان قارون الذي كان من قوم موسى كان بسبب الثراء، وطغيان فرعون كان بسبب السلطة. وهؤلاء العلماء رأوا أن علومهم فسرت كل شيء (بزعمهم)، وبالتالي فلا أهمية -بالنسبة لهم - للإيمان بخالق.
الجدول التالي يبين نسب الإلحاد لدى فئة منتقاة من مشاهير العلماء في مجالات الفيزياء والفلك والأحياء وغيرها، وقد تم تعريبه وهو نتاج عمل قام به عالم النفس الأمريكي: جيمس ليوبا في العام 1914، وكرره في العام 1933، ثم كرره في العام 1998 عالم آخر هو المؤرخ إدوارد لارسون (أمريكي) ونشرت النتائج في مجلة نيتشر العلمية بتاريخ 23 يوليو من عام 1998 في العدد 394

الجدول يؤكد أن نسبة من يعتقدون بوجود خالق كانت في حدود 28% في العام 1914 وتدنت بشكل كبير خلال العقد التالي إلى أن وصلت 7% فقط مع نهاية القرن الماضي (طبعا النسب خاصة بالعلماء). نحن نعلم أن القرن الماضي اتسم بكثرة الاكتشافات العلمية وهو يمثل ذروة الانفجار العلمي الذي قاده الإنسان خلال تاريخه الطويل. نسب الملحدين بين علماء الفيزياء المشهورين وعلماء الأحياء المشهورين تم قياسها في العام 2005 فوجدت 90% و 95% على التوالي (بحسب بحث قام به آرثر فولك، مجلة فسيولوجي المجلد 80، عدد 314، ص 543، 2005).
ومن جهة ثانية فقد قامت صحيفة نيويورك تايمز في 15 مايو من العام 2005 بنشر تقرير حول الإلحاد بين أن 46% من الأثرياء (الذين يملكون دخولا تتجاوز 150,000 دولارا في السنة) يعتقدون بأن الإيمان بوجود إله (خالق) غير مهم. هذه النسبة أقل بنسبة 20% لدى الفئة الذين دخولهم أقل من 100,000 دولار بحسب الصحيفة.
التقرير الأول يوحي بأن الاغترار بالعلوم المعاصرة يجر إلى الإلحاد، والتقرير الثاني يوحي بأن الثراء هو أحد الأسباب الرئيسية التي تقود إلى إنكار الخالق أو الألحاد.
أرجو أن يكون واضحا بأن الدليل العيني القطعي على وجود الله هو موضوع حديثي، أي دليل ملموس لا يترك لأحد مجالا للشك أو الإنكار وهذا ما يبحثون عنه. أما البينات الأخرى مثل دقة الصنع، والإعجاز في الخلق، وأدلة بدء الخلق، وآثار الخالق في كونه وفي المخلوقات، فهي أدلة مختلفة، وإن كانت تحمل ما يكفي للإيمان بالله (لمن هدى الله قلبه)، وتصديق الرسل، إلا أنها تقابل لدى الملحدين بالاحتجاج بإمكانية تفسيرها علميا دون الحاجة لوجود خالق. تصور أن حية موسى عادت للظهور، أي استهزاء سيقابلها به هؤلاء الملحدين؟ وإلى أي منحنى سيتجهون في تأويلها والتلاعب بها؟ (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) الإسراء.
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك.



تعليقات