لاجرانجيان العلاقة بين الغرب و إيران
- ناصر الزايد
- 22 يونيو
- 5 دقيقة قراءة
لاجرانجيان العلاقة بين الغرب و إيران
ناصر بن صالح الزايد
للمعلوميه، اللاجرانجيان هي معادلة حل أي مسألة علمية. نحن هنا بصدد التعرض للمعادلة المعقدة للعلاقة بين هاذين المكونين البشريين، و كيف نفسر ما يجري حاليا من التصعيد والتصعيد المضاد.
تدور معارك جوية حاليا بين إسرائيل (بالتعاون والنيابة عن الغرب) من جهة وإيران من جهة، كما دخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر في هذه الحرب. ويصعب توجيه هذه الظاهرة في ظل العلم المسبق بالعلاقة التاريخية بين اليهود ودولتهم إسرائيل، والغرب، من جهة و الفرس ودولتهم إيران من جهة ثانية. فالتاريخ يؤكد وجود علاقة تخادم طويلة الأمد بين الطرفين. فكيف يمكن فهم ما يجري؟ هل انقلب السحر على الساحر؟ هل تغيرت المبادئ أو تبدلت؟ هنا أحاول حل بعض الألغاز الصعبة.
عليك أن تضع المسلمات التالية على الطاولة وأنت تحاول وضع قطع الليقو في إطار صورة واحدة تفسر كل شيء:
أولا: تأكد أن الأمريكيين و إسرائيل من ورائهم يعرفون التاريخ بصورة جيدة، وهم أفضل من يستفيد بالحد الأقصى من معطياته المهمة.
ثانيا: لا توجد معايير ثابتة لدى الأطراف المذكورة ولا يوجد حدود لا دينية ولا أخلاقية، والغاية تبرر الوسيلة بلا أية قيود.
تلخيص المعضلة الأمريكية والمستقبل المتغير:
الولايات المتحدة الأمريكية نشأت وترعرعت في ظل معطيات علمية بحتة. قامت قوتها العسكرية، والاقتصادية، والوجودية على أسس علمية بامتياز، كما لم تقم أية حضارة سابقة. كانت الفجوة بين تلك الدولة ومعها أوروبا وبين بقية العالم كبيرة لدرجة أنه لا أحد يفكر حتى في الدخول معهم في السباق الذي كانوا أسياده بتفوق كبير. حصلت عدة متغيرات في الفترة الأخيرة: تباطئ العلم، انتشرت الإنترنت ونشرت معها المعلومات والتقنية، تعرضت الولايات المتحدة إلى تحديات اقتصادية تتمثل في التضخم والدين العام و منافسة الأسعار مع الآخرين. أدت هذه العوامل إلى تقليص متسارع للفجوة بينهم وبين الآخرين. بعض اللاعبين الكبار كالصين، انتبهوا لهذه الناحية، فقرروا شحذ الهمم ليس فقط لمجرد اللحاق بالأمريكيين، بل حتى بالتفوق عليهم. ظهر بذلك قوة جديدة، كانت آخر ما يتوقع الأمريكيون أن تظهر ضمن المشهد. كان الأمريكيون يخافون من الروس، مثلا، غير أن خوفهم من الصين كان أمرا مستبعدا حتى عصر قريب. الصورة الحالية: هناك قلق عميق ومتزايد من تحد صيني قد يجتث الحضارة الأمريكية برمتها. كان لابد من إعادة الحسابات، ووضع النقاط على الحروف.
معطيات اللاجرانجيان:
1. ظهور الصين كقوة منافسة للغرب الذي تقوده أمريكا
2. تجلي الخبرة الأمريكية في العلاقة بينهم وبين السنة والشيعة
3. توجه الولايات المتحدة باتجاه توفير النفقات
4.التخطيط للتحديات القادمة
المحور الأول: أزمة الصين
عاشت الولايات المتحدة العصر الذهبي للتفرد بقيادة العالم إثر سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث ظهر ما يعرف بالقطب الواحد. ولكنها فترة لم تستمر طويلا إذ فوجئت بظهور قطب يسطع نجمه بسرعة فائقة، إنه قطب يتمحور حول الصين. ولإن كان خطر السوفيت سابقا قد تم احتواؤه بالحرب الباردة، كما أن الروس حاليا صاروا مكشوفين وقل خطرهم بشكل كبير. لكن القطب الصيني مختلف تماما. إن القطب الأخير يريد الظهور، ويريد المنافسة، ويسعى بقوة لتحقيق أهدافه. وهو قوة جديدة، لم تجرب الحروب من قبل، ولم تستهلك بالتالي مقدراتها الكامنة. وبمجرد إلقاء نظرة سريعة على تنامي الدخل القومي الصيني منذ بداية الألفية الجديدة، يتضح مدى قوة صعوده وخطورته الوجودية على الولايات المتحدة الأمريكية.
الخبرة الأمريكية لم تنضج بعد في مواجهة الصين، غير أن خبرتها السابقة مع السوفيت قد تتكرر. فقد واجه الأمريكيون السوفيت سابقا بالوقوف في صف العالم الإسلامي والاستفادة منهم في صد التوسع السوفيتي، وعدم وصولهم إلى ما يسمى المياه الدافئة، حتى وصل الأمر إلى الدعم العسكري للأفغان ضد السوفيت مما ساهم في كسر شوكتهم و إخراجهم من أفغانستان، ثم تبديد قوتهم بسقوط الاتحاد بشكل دراماتيكي.
المحور الثاني: تاريخ من الفحص والاختبار
الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى السنة نظرة تختلف عنها مع التيار الفارسي بقيادة إيران. فمع السنة هي لا تريد الإسلام الجهادي المتشدد، ولا تريد التنظيمات الجهادية الخطرة. غير أنها تلجأ إلى الإسلاميين لإنشاء جبهة مضادة للعدو الأخطر. فعندما دخل السوفيت إلى أفغانستان، وقفت أمريكا بأسلحتها ورجالاتها و أحلافها مع (المجاهدين) سواء كانوا أفغانا أو من جنسيات أخرى بما فيها العربية. و عندما انتهى الخطر السوفيتي عادت للقضاء على هؤلاء المجاهدين وتجريمهم. إذن العلاقة هي: الأصل هو العداء، الاستثناء هو التصالح لدفع الأعداء الآخرين، لا مانع من الانقلاب ضدهم إذا انتهت الحاجة إليهم.
أما بالنسبة للفرس و ملحقاتهم بقيادة إيران، فإن العلاقة مختلفة. يمكن تلخيص العلاقة الأمريكية بهم كعلاقة جهاز المخابرات برجاله. رجل المخابرات يمكن أن يقوم بالمهام القذرة، ويجوز تأديبه، ويجوز مكافأته، لكنه يبقى رجل مخابرات. فإيران يمكن أن تقوم بالأدوار القذرة (كما فعلت في سوريا، والعراق)، ولم يعرف لهم دور في أي صراع خارج الحدود الإسلامية السنية، ولذا فيجوز تأديبهم (كما حصل في طردهم من سوريا)، ولكن تبقى إيران والفرس جنديا يؤدي الأدوار القذرة، لو لزم الأمر (المسلمة ثانيا أعلاه). لاحظ أن توابع إيران مازالت متجذرة في العراق و لبنان واليمن، نعم قلصت أدوارهم لكنهم لم ينهوا بشكل كامل.
فإذن الأمريكيون ركبوا على الجناحين، الجناح السني والفارسي في نفس الوقت، فلاهي عدوة حقيقية للفرس، ولا هي قادرة على الاستغناء عن التيار السني. إن خبرة الولايات المتحدة تقول بأن السنة هم القوم! هم أصحاب المبادئ و التاريخ الذي يمكن الاعتماد عليه، وهم الذين إذا وعدوا وفوا، ولا يخونون، ولا يغدرون، و هم أصحاب رسالة صادقة، ولذا فيمكن الوثوق بهم و بوعودهم، كما يمكن الاعتماد عليهم عسكريا، فهم أصحاب جلد و صدق و تاريخ مشرف.
ولهذا، فعند وضع الحقائق التاريخية كأحد المؤثرات، وأخذ الواقع الأمريكي الحالي، وإضافة ذلك إلى المؤشرات الحديثة حول طموح إسرائيل أن تصبح سيدة المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فإن الصورة قد تصبح أكثر وضوحا. العلاقة التاريخية (الجينيه) بين الأطراف لم ولن تتغير إلا بتغير العقائد المحركة لها، وهي لم تتغير حتى الآن. وأكثر من 1400 سنة من التاريخ ترسم النقاط تباعا في منحنى لم يتغير اتجاهه حتى اليوم. لذلك فيمكن النظر إلى ما يجري بافتراض التالي: أن ما يجري هو في إطار تقزيم إيران وتحجيمها على أساس أنها الجندي صاحب المهام القذرة، وقد انتهى دورها مؤقتا، وهي معتادة على مثل هذه الإهانات التي تمثل ثمنا لما سبق وأن حصلت عليه، ولما هو قادم أيضا. وهذا يقع في إطار تقزيم جندي المخابرات كما سبق، أو في إطار تهذيب الشجرة التي توسعت أكثر من اللازم.
المحور الثالث: التوجه الأمريكي باتجاه توفير النفقات
الولايات المتحدة انسحبت سريعا من أفغانستان، وكان أحد أهم الأسباب هو التكاليف المادية الباهظة، ثم انسحبت من سوريا، بعد ترتيب الأوضاع بالشكل المريح لها. كما أنها أغلقت مكتبها الذي يهتم بالصرف على الحركات المضادة. وقد سارعت إلى أيقاف حرب استنزافية بين الهند وباكستان منذ لحظاتها الأولى. و يقع توفير النفقات في إطار التركيز على الهدف الأبعد والأخطر كما في الفقرة التالية.
المحور الرابع: التخطيط للتحديات القادمة
هذا المحور يفسر كل شيء ويضع جميع النقاط على الحروف. رأينا أن الولايات المتحدة تريد تقليص النفقات، وأنها تستعد لمستقبل من الصراع المتوقع مع الصين. فكان لابد من ترتيب الأوراق بحيث تقود إلى وضع يضمن أفضل المكاسب. فانسحبت من أفغانستان من جهة، و من جهة قامت بترتيب الأوراق في سوريا بحيث تتخلص من تبعات الاستقطاب العسكري، ومن جهة ضمنت علاقات تعاون وتفاهم رائعة مع التيارات التي صارت على هرم السلطة. فكان لابد من تحسين العلاقة وتقويتها مع جميع أهل السنة، كونهم نعم الحليف فيما لو تم الصراع القادم مع الخصم الذي يتعاظم دوره على الكوكب.
كان في سوريا ترتيبات ترحب بالتفاهم، ولا تمانع من التناغم وتلبية الطلبات الرئيسية، غير أن إيران كانت صعبة أو طموحة بحيث لم يتوفر فيها هذا العنصر، فرفضت التفاهم، الذي يؤدي إلى تقليص الخطر، ولم يمكن إزالة الحكومة الحالية واستبدالها بحكومة (جنتل) كما في سوريا، بسبب عدم توفر الأوضاع الملائمة. ولكن في نفس الوقت، فهي صاحبة الدور القذر الذي سبقت الإشارة إليه. فكان الحل هو تقزيمها قدر الإمكان، مما سوف يؤدي إلى تقزيم دورها الإقليمي أيضا، وتقليل خطرها ضد (هدكوارترز) المنطقة كلها – بحسب الرؤية الأمريكية – وهي إسرائيل. وتظل بالتالي جاثمة في ثكناتها للمستقبل لو لزم الأمر لتكرار السيناريوهات السابقة.
المستقبل المنظور:
في رأيي أننا دخلنا بامتياز في مرحلة (الصلح الآمن مع الروم) التي أشار إليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهي مرحلة لن تطول، ليس فقط لأن النبوءة ذكرت ذلك، بل لأن معطيات التفاعل الكيميائي ما زالت باتجاه مزيد من التفاعل. قد تمثل المرحلة القصيرة القادمة أجمل أيام الولايات المتحدة، ولكنها محاطة بمفاجئات غير متوقعة، سوف تعيد الأحداث إلى الواجهة سريعا. من ضمنها احتمالية انحراف الأحداث الحالية نفسها عن مسارها. والسبب في كل هذا التنبؤ هو تصديق لمعطيات أقوى من كل ما سبق، إنها نبوءات قرآنية ونبوية، ترسم خارطة قادمة فيما يبدو، وقد ظهرت دلائل واضحة على قربها. وتظهر المؤشرات وتحليل القرارات الأمريكية أن الأمريكيين على دراية بهذا الخطر، وربما تقع تصرفاتهم الأخيرة في إطار احتوائه قبل وقوعه.



تعليقات