top of page

رصد الحالة الخامسة للمادة على ظهر المحطة الدولية للفضاء

  • ناصر الزايد
  • 4 نوفمبر 2022
  • 3 دقيقة قراءة

رصد الحالة الخامسة للمادة على ظهر المحطة الدولية للفضاء

أ.د. ناصر بن صالح الزايد


يوجد أربع حالات من المادة معروفة لدى العلماء هي: الصلبة، السائلة، الغازية، والبلازمية (حالة غازية متأينة). تتوفر الحالات الثلاث بشكل طبيعي في الأرض ومعروفة لدى الجميع، غير أن حالة البلازما لا تتوفر بشكل طبيعي في الأرض وإنما تتوفر في الشمس وغيرها من المناطق شديدة الحرارة. تم إنتاج البلازما بشكل تجريبي عن طريق مصادم الهادرون العملاق Large Hadron Collider الموجود بالقرب من جنيف، عند درجة حرارة تصل إلى 6 ترليون درجة مؤية حيث يتم تصادم أيونات الرصاص مع بعضها ما ينتج عنه مواد أولية بلازمية.

ولكن أيضا، وإضافة إلى هذه الحالات الأربع، يوجد نوع خامس من حالات المادة تنبأ به نظريا العالم الشهير أينشتاين مع زميله العالم الرياضي الهندي ساتيندرا ناث بوز يسمى (مكثفات بوز واينشتاين) بفتح الثاء والفاء Bose-Einstein condensates (BEC) وذلك في العام 1925، غير أنه لم يتم أي رصد تجريبي لهذه الحالة في السابق.

في العام 2018 تم إضافة مختبر مصغر (بحجم حقيبة اليد) سمي باسم: مختبر الذرات الباردة The Cold Atom Laboratory (CAL) إلى مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory والتابع لوكالة ناسا والمحمول على ظهر محطة الفضاء الدولية بغرض دراسة هذه الحالة للمادة. يتوفر في هذا المختبر المصغر (كال) والذي يتم تشغيله عن بعد، أمران مهمان لا يتوفران على ظهر الأرض بسهولة: الأول درجة الحرارة المنخفضة على ظهر المحطة -157 درجة مؤية، والثانية وهي الأهم: شبه انعدام للجاذبية الأرضية. ويتم التبريد أكثر عن طريق المختبر نفسه حيث تصل درجة الحرارة إلى قرب الصفر المطلق -273.15 درجة مؤية وذلك باستخدام أشعة ليزر، حيث تبرد غرفة صغيرة خاصة ضمن الجهاز تكون مفرغة تماما من الهواء وبالتالي تبريد ذرات عنصر الروبيديوم و ذرات عنصر البوتاسيوم الموجودة بداخلها حيث تتشكل حالة بوز وأينشتاين من هذه الذرات ويتم حملها كغيمة صغيرة في جو الغرفة عن طريق مجال مغناطيسي متوفر لهذا الغرض. وكانت هناك تجارب سابقة على الأرض (منذ 1995) للحصول على نفس النتيجة غير أن الجاذبية سرعان ما تفسد الحالة (في غضون جزء من الثانية) حيث تتبدد الغيمة وتقع الذرات في الأسفل. أما على ظهر المحطة حيث الجاذبية المنخفضة جدا فإن الحالة تستقر لفترة أطول. وقد تم الحصول على هذه الحالة وأعلنت وكالة ناسا عنها يوم الخميس 11 يونيو أي بعد حوالي 100 سنة من نبوءة العالمين.


ree
صورة تفصل في مكونات المختبر


ولكن ما المقصود بمكثفات بوز وأينشتاين وما الفرق بينها وبين الغاز؟ في الحالة الغازية توجد ذرات حرة تقريبا غير مرتبطة فيما بينها سوى بروابط الغاز الضعيفة، كما أن لكل ذرة عالمها الكمي الخاص بها. أما في حالة مكثف بوز وأينشتاين، فإن الذرات (البوزونات) تسلك كما لو كانت في حالة كمية واحدة، غير أنها حالة كبيرة بحيث يمكن مشاهدتها ورصدها بالعين العادية. تذكر أن الإلكترون في داخل الذرة يعيش حالة كمية، غير أنها صغيرة لدرجة أنها لا ترى بالعين المجردة. على عكس ذلك؛ فإن الغاز المتكثف بصورة بوز وإينشتاين بغض النظر عن حجمه وعدد ذراته، هو في حالة كمية واحدة، مع أن كل ذرة لها سلوكها الموجي الخاص بها. أي أن العلماء رصدوا لأول مرة جسما كميا بحجم كبير قاموا بإنتاجه في ذلك المعمل.

هذه التجربة التي تمت في الفضاء فتحت بابا مهما لتجارب في المستقبل تقوم على الاستفادة من الحالة، على سبيل المثال تصادم الذرات الكمية فيما بينها، كما يمكن دراسة موجات الجاذبية عن طريق إحداث توترات في نسيج الزمكان space-time عن طريق مراقبة التوترات في حركات ذرات تلك الحالة. ربما تساعد هذه التجربة كذلك في فحص فكرة المادة المظلمة التي لم يتم تأكيدها تجريبا حتى الآن.

وقبل الختام ربما من المناسب التعرف على فكرة بوز واينشتاين التي طرحوها سابقا والتي تم تحقيقها في هذه التجربة. اقترح أينشتاين بناء على بحث نشره بوز أنه لو تم تبريد غاز من البوزونات (ذرات ذات لف مغزلي غير كسري) والتي يفترض أن تكون كذلك ذات كثافة منخفضة جدا 1/100,000 من كثافة الهواء العادي، فعندما يتم تبريدها إلى حدود الصفر المطلق، فإن أغلب هذه البوزونات سوف يقع (يتكثف) في نفس الحالة الكمية، الأقل طاقة. اشتراط أن تكون بوزونات يسمح بذلك لأنه يمكن (إحصائيا) جمع أي عدد من البوزونات في نفس الحالة الكمية بخلاف الفرميونات التي تخضع لمبدأ باولي للاستبعاد. عندما تتحقق هذه الشروط تصبح بعض الظواهر الكمية التي تحصل عادة على المستوى الذري، مثل التداخل الموجي، ممكنة الرصد في العالم العادي، والمادة المتشكلة من هذه الذرات المتكثفة كميا في نفس الحالة، هي مادة بمواصفات مختلفة عن الحالات الأربع الأخرى للمادة.


المرجع الأساسي بحث نشر في مجلة نيتشر في 11 من شهر يونيو، 2020


تعليقات


  • Twitter
  • YouTube

©2022 by الموقع الشخصي: ناصر بن صالح الزايد

bottom of page