إشارة إلى فيزياء جديدة في الإشعاع المستقطب القادم من أطراف الكون.
- ناصر الزايد
- 4 نوفمبر 2022
- 4 دقيقة قراءة
إشارة إلى فيزياء جديدة في الإشعاع المستقطب القادم من أطراف الكون.
مقال مترجم من عنوانه الأصلي:
A hint of new physics in polarized radiation from the early universe
أ.د. ناصر بن صالح الزايد
تاريخ المقال: 25 نوفمبر، 2020

تعليق على الصورة: أثناء سفر الضوء (اشعة الخلفية الكونية) والذي بدأ رحلته (فرضا) منذ بداية نشأة الكون قبل 13.8 بليون سنة (الجزء الأيسر من الصورة) وحتى وصوله إلى الأرض (الجزء الأيمن من الصورة)، فإن الاتجاه الذي تتذبذب على أساسه تلك الموجات الكهرومغناطيسية (الخط البرتقالي) ينحرف بزاوية مقدارها β . يعتقد بأن هذا الانحراف سببه المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة والتي تتفاعل معه وتغير من الاستقطابية كما يعكس ذلك الخطوط السوداء على الشكلين. الأحمر والأزرق في الشكلين يعكس المناطق الحارة والباردة على الترتيب.
مقدمة المترجم:
لفت نظري هذا المقال، ولفت نظري الثناء الذي حظي به البحث الأصلي من قبل هيئة التحرير في دورية Physical Review Letters. وأحببت أن تصل المعلومة للقارئ العربي في الوقت المناسب. المقال يتحدث عن بحث تم نشره قبل عدة أيام تمكن لأول مرة من رصد الاستقطاب الذي يحصل لأشعة الخلفية الكونية بصورة تعادل ضعف الدقة المرصودة سابقا وربط ذلك بتأثير المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة، بسبب الانتهاك الذي يحصل في ندية التناظر.
المقال:
باستخدام بيانات الأشعة الكونية التي أظهرها القمر الصناعي بلانك، فقد لاحظ فريق من الباحثين الدوليين ما يبدو أنه إشارة إلى فيزياء جديدة. قام الفريق بتطوير طريقة جديدة لقياس زاوية الاستقطاب لهذا الشعاع القديم وذلك بمعايرته مع الغبار المنبعث من مجرتنا درب التبانة. وبينما يمكن القول إن الإشارة لم يتم الحصول عليها بدرجة عالية من الموثوقية لرسم صورة واضحة، فإنها تقترح أن المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة تسبب انتهاكا violation لما يسمى (ندية التناظر) parity symmetry .
إن قوانين الفيزياء التي تحكم الكون يفترض أن تحافظ على نفسها تحت التأثير المرآتي. على سبيل المثال قوانين الكهرومغناطيسية يفترض أن تكون صحيحة بغض النظر هل نطبقها في نظام ما أم في نظام آخر معاكس له مرآتيا، أي تكون فيه الإحداثيات المكانية مقلوبة. لو أن هذا التناظر (ويسمى أيضا بالندية) تم انتهاكه، فلربما يعطي مفتاحا لفهم طبيعة المادة المظلمة الغامضة ومثلها الطاقة المظلمة واللتان تمثلان ما نسبته 25% و 70% من مقدار مادة الكون على الترتيب. وبالرغم من أن كلا منهما غير مرئي إلا أن لهما أثران متناقضان على نشوء الكون فالمادة السوداء تقود إلى تماسك وتجاذب الكون، وعلى العكس منها فالطاقة المظلمة مسؤولة عن تمدد الكون بتسارع.
هناك دراسة جديدة قام بها باحثون من كل من: معهد الدراسات النووية والجسيمية (IPNS) لدى منظمة معجل أبحاث الطاقة العالية (KEK) و معهد كافلي لفيزياء ورياضيات الكون (Kavli IPMU ) في جامعة طوكيو، ومعهد ماكس بلانك للفيزياء الفلكية (MPA)، حيث أشارت هذه الدراسة إلى تلميح محير حول فيزياء جديدة بدرجة موثوقية إحصائية تصل إلى 99.2% حيث فيه يتم انتهاك ندية التناظر. تم نشر نتائجهم في دورية Physical Review Letters بتاريخ 23 نوفمبر، 2020. وقد أثنت عليها هيئة التحرير واعتبروها مهمة، و مثيرة، وكتبت بعناية.
التلميح إلى أمكانية انتهاك ندية التناظر تم الحصول عليه في أشعة الخلفية الكونية، والتي تعتبر بمثابة ما تبقى من شواهد بداية خلق الكون (الانفجار العظيم). المفتاح هنا هو الضوء المستقطب ضمن هذه الأشعة. إن الضوء هو عبارة عن موجات كهرومغناطيسية تنتشر في الفراغ. عندما تتذبذب هذه الموجات في اتجاه محدد، فإن الفيزيائيين يطلقون عليها موجات مستقطبة. يحصل الاستقطاب عنما يحصل تشتت للضوء. مثلا ضوء الشمس يتكون من موجات تتذبذب في جميع الاتجاهات، ولهذا فلا يقال عن ضوء الشمس إنه مستقطب. ولكن الضوء المشكل لقوس قزح هو ضوء مستقطب حيث إن الضوء يتشتت بسبب قطرات الماء في الجو. بالمثل فإن أشعة الخلفية الكونية كانت بالأساس مستقطبة بسبب تشتتها بواسطة الإلكترونات قبل 13.8 بليون سنة أي بعد حوالي 400 ألف سنة من بداية الكون. في رحلته المستمرة في كل الاتجاهات ومنها الأرض، فإن مستوى الاستقطابية له ينحرف بسبب المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة بزاوية مقدارها β (الشكل السابق).
يقول الباحث: يوتو مينامي من IPNS, KEK "لو أن المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة تتفاعل مع أشعة الخلفية الكونية بحيث يحصل انتهاك لندية التناظر، فإن بصمات هذا التفاعل ستظهر من خلال بيانات الاستقطابية"
من أجل قياس زاوية الانحراف β، يحتاج العلماء إلى كواشف حساسة للاستقطاب كتلك المحمولة على مجس بلانك التابع لمحطة الفضاء الأوروبية ESA . أيضا يهمهم معرفة كيف يتم تثبيت تلك الكواشف بالنسبة للفضاء أي اتجاه المراقبة. إذا كانت هذه المعلومات غير معروفة بشكل دقيق وكاف، فإن قياسات مستويات الاستقطاب سوف تكون غير واضحة وتعطي إشارات خاطئة. في الماضي كانت هناك انحرافات تم تسجيلها لمستويات الاستقطاب ولكنها عزيت كاثار ناتجة عن الكواشف نفسها.
يقول مينامي: "لقد طورنا طريقة جديدة تحدد ما إذا كانت تلك الانحرافات في مستويات الاستقطاب ناتجة عن الكواشف أم أنها أصلية، وذلك باعتماد الضوء المستقطب والمنبعث من الغبار في مجرة درب التبانة للمعايرة". بهذه الطريقة، يضيف الباحث، فقد حصلنا على دقة تعادل ضعف الدقة التي تم الحصول عليها سابقا، وبالتالي فقد تمكنا فعليا من قياس الزاوية β. المسافة التي يقطعها الضوء المنبعث من الغبار المذكور، اقصر كثيرا من تلك التي تقطعها أشعة الخلفية الكونية. وهذا معناه أن هذا الضوء غير متأثر بالمادة المظلمة أو الطاقة المظلمة. إذن كلا من الشعاعين (الغباري) والكوني يتعرضان لنفس الدرجة من الانحراف في الاستقطابية الناتج عن الأجهزة، والفرق هو في صالح الأشعة الكونية فقط.
طبق الباحثون الطريقة الجديدة لقياس هذه الزاوية من بيانات استقطاب الأشعة الكونية المرصودة بواسطة القمر الصناعي بلانك، واكتشفوا وجود احتمالية انتهاك ندية التناظر بدقة وصلت إلى 99.2% . من أجل ادعاء وجود فيزياء جديدة، يتوجب الوصول إلى موثوقية إحصائية تصل إلى 99.99995% . يقول الباحث إيكيرو كوماتسو، أحد المدراء لدى معهد ماكس بلانك للعلوم الفلكية، والباحث الرئيس لدى معهد كافلي لفيزياء ورياضيات الكون: "من الواضح أننا لم نجد دليلا كافيا يؤسس لفيزياء جديدة حتى الآن، ولذلك نحتاج إلى معلومات إحصائية أكثر وأدق حتى نجزم بهذا الأمر، ولكننا فرحين بكون طريقتنا مكنتنا أخيرا لتحقيق هذه القياسات المستحيلة والتي قد تشير إلى احتمالية فيزياء جديدة"
لمزيد من التأكد في هذا الاتجاه، يمكن تطبيق هذه الطريقة على أية بيانات سابقة أو مستقبلية تقيس الاستقطابية في أشعة الخلفية الكونية، على سبيل المثال بيانات (سايمونز أرري) Simons Array أو بيانات (لايت بيرد) LiteBirdوالتي تشارك فيها المعاهد المذكورة أعلاه.
الورقة الأصلية، والمقال الأصلي:
Yuto Minami et al. New Extraction of the Cosmic Birefringence from the Planck 2018 Polarization Data, Physical Review Letters (2020). DOI: 10.1103/PhysRevLett.125.221301



تعليقات